بداية دموية للعام الجديد
قاسم حسين ..
يبدأ العام الجديد مضمّخاً برائحة الدم والبارود، على خلاف كل أحلامنا وتمنياتنا وأمنيات كل شعوب الأرض.
بؤرة الدم والتفجيرات هي منطقتنا، ففي هذه الدائرة المنكوبة تتمركز أغلب العمليات الحربية والفتن ومؤامرات التقسيم. كل المناطق والأقاليم الأخرى في العالم حلّت مشاكلها واختارت طريقها في الحكم، وتداول السلطة، وبقيت منطقتنا تراوح في زنزانتها، فكل شعبٍ يريد أن يحيا بعزةٍ وكرامةٍ وحرية، تتكالب عليه كل قوى الأرض ليبقى مقيداً مغلولاً داخل القمقم.
كل أقاليم العالم تقدمت واستقرت، إلا إقليمنا، هذا الشرق الأوسط العتيد، من أوروبا الشرقية إلى جنوب وجنوب شرقي آسيا، إلى أميركا اللاتينية التي كان يحكمها الجنرالات الموالون للولايات المتحدة الأميركية. حتى في أفريقيا، تحوّلت أغلب تلك الشعوب إلى أنظمة أكثر استقراراً، إلا منطقتنا التي تقاوم التغيير.
مع كل الأماني التي نتبادلها بعامٍ أفضل، إلا أن مؤشرات العام الجديد لا تدل على هذا الاتجاه، بل تنذر بمزيدٍ من التدهور والانهيار. والعام الذي ودّعناه بالكثير من الأسى، وشيّعناه بالكثير من الأحزان، سيبقى ممتداً معنا هذا العام.
في اليوم الأخير من العام الراحل، شهد العراق عدة تفجيرات دموية، من الصباح إلى المساء. وكان ذلك متوقعاً كلما زادت الضربات الموجّهة لتنظيم «داعش»، وطرده من الأراضي الواقعة تحت قبضته، وحصره في آخر معاقله: الموصل. من هنا جاءت التفجيرات الدموية، انتقاماً لخساراته ونزيفه، لتضرب سوقاً وسط بغداد بثلاثة تفجيرات، نفذّها عناصر متزنرة بأحزمة ناسفة، أودت بحياة 32 شخصاً وأصابت العشرات، أعلن «داعش» مسئوليته عنها. وهي إستراتيجية سبقه إليها تنظيم «القاعدة»، بهدف إيقاع أكبر عددٍ من الضحايا الأبرياء في المناطق الرخوة، ونفذها في عددٍ كبيرٍ من البلدان لسنوات.
عشية ليلة عيد رأس السنة الميلادية، نجح التنظيم أيضاً في توجيه ضربة لتركيا، في قلب العاصمة السياحية اسطنبول، وتمكّن أحد عناصره من التسلل إلى داخل ملهى ليلى يحتضن مئات المحتفلين، ليحصد بالرصاص أكثر من 39 شخصاً، تبين أن أكثرهم لم يكونوا أتراكاً بل كانوا عرباً، خليجيين ولبنانيين وأردنيين وتونسيين وليبي واحد. وهي عمليةٌ مؤذية لتركيا، التي تراجعت الحركة السياحية فيها بمعدل أربعين في المئة العام الماضي، وتراجعت عملتها بنسبة 20 في المئة خلال الأشهر الأخيرة.
هذه العملية الإرهابية ضربت مجدداً الثقة بالأمن التركي، الذي حشد آلاف العناصر لإجهاض مثل هذه العمليات، التي يشكل اكتشافها تحديات جمة لأجهزة الأمن، فكيف تمكّن شخص انتحاري من التسلل إلى ملهى ليلى وسط منطقة خاضعة للحراسة المشددة؟ وكيف بقي طليقاً بعد 24 ساعة من التنفيذ رغم انتشار صورة تكشف ملامح وجهه القوقازية بوضوح؟ وهل كانت هناك عناصر أخرى متخفية ضمن بيئة حاضنة، ساعدته في الوصول وأمّنت له السلاح وطريقة الانسحاب؟ وهو ما دفع أحد المحللين الأتراك إلى الإشارة إلى وجود تجمع كبير لهؤلاء المهاجرين بالآلاف داخل تركيا، بما يعطي انطباعاً لدرجة خطورتهم.
في الوضع التركي، أيضاً كان الأمر متوقعاً، مع الانعطافة الحادة في السياسة التركية، التي غيّرت مسارها من محورٍ باتجاه محورٍ آخر. فخلال الشهر الأخير وحده، تعرّضت تركيا لأربع عمليات إرهابية، يقف وراء أغلبها «داعش»، وتزامن ذلك مع التقارب التركي الكبير مع روسيا، الذي أسفر عن سقوط حلب، وإعلان الهدنة، وفرض وقف إطلاق النار قسراً على التنظيمات المسلحة، التي تتمتع بوجود حواضن وأتباع كثر داخل تركيا، نشأت كنتيجة طبيعية للسياسة السابقة التي كان ينادي بها أردوغان.
بدايات غير مشجّعة، صبغت اليوم الأول من العام الجديد، نتمنى ألا تستمر وتتمادى، على أمل أن تخرج شعوب هذه المنطقة المنكوبة من مستنقع الدم والخراب.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/01/03