آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

سياسة الهروب من الحقائق


قاسم حسين ..

وزارات الصحة والإسكان والتربية والتعليم، هي الوزارات الثلاث الأكبر أعباء وتبعات، وخدماتها الأكثر تعرضاً للاهتزازات والتراجعات... وإن كانت الصحة هي أخطرها على الإطلاق.

وضع وزارة الصحة في تدهور منذ سنوات، وظللنا نكتب عن اضطراب هذه السفينة رغم تغيّر الربان، حيث توالى عليها أكثر من سبعة وزراء خلال خمسة عشر عاماً، دون أن يلوح في الأفق أنها ستعرف طريقها نحو الإصلاح والاستقرار. وازدادت قيادتها ضعفاً، ليس في عهد الوزيرة الجديدة فائقة الصالح فحسب، بل منذ زمن سلفها صادق الشهابي.

انتقدنا هذه الوزارة كثيراً، بسبب ما تتخبط فيه من سياسات، وحذّرنا مما ستؤول إليه أوضاعها قبل أكثر من عشر سنواتٍ، بسبب تزايد وتيرة التجنيس، وها هي النتيجة تظهر جليةً للعيان، حيث برزت على السطح المشاكل كالبثور في البشرة الدهنية، من اختفاء الأدوية، وطول فترة المواعيد، ونقص الأسرّة في مستشفى السلمانية الرئيسي، وعودة بعض الأمراض التي تخلّصنا منها قبل سنوات، بل برزت ظواهر لم توجد قبلاً، مثل الطوابير الطويلة وانتهاء المواعيد اليومية قبل ثلاث ساعات من انتهاء الدوام.

لا يحتاج المتابع لأداء الوزارة إلى الكثير من الذكاء والتدقيق حتى يلحظ التراجع الواضح في أوضاعها، دون حاجةٍ للحديث عن سياسات التوظيف والابتعاث أو التعيينات، وهو ما دعا وزيرة الصحة السابقة ندى حفاظ (وهي طبيبة ممارسة وعضو شورى سابقة) لإطلاق صرختها يوم 5 ديسمبر/ كانون الأول 2016، على صفحتها على موقع «الفيسبوك» قائلةً: «واأسفاه على ما وصلت إليه وزارة الصحة»، منتقدةً السياسة التي أدت إلى أفراغ مستشفى السلمانية من كوادره الوطنية. وهو أمر واضح للجميع، ولا ينكره إلا الطاقم الوزاري الذي يسيّر وزارة الصحة هذه الأيام.

في اللقاء المفتوح مع الإعلاميين في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وجَّهتُ هذا السؤال بالحرف للوزيرة والوكلاء، وأعيد طرحه ثانيةً هنا بين يدي الرأي العام: «لماذا تصرّون على سياسة استقدام أطباء وممرضين من الخارج بينما يوجد لدينا مئات الأطباء والممرضين والممرضات من البحرينيين الخريجين من الجامعات البحرينية والعربية والأجنبية، وهم يقبعون منذ سنوات في منازلهم؟». ولم أتلق جواباً غير الكليشيهات التقليدية المعروفة: نحن نرفع احتياجاتنا إلى ديوان الخدمة المدنية ويعلن عن الوظائف الشاغرة وتكون الأولوية للبحريني، فإذا لم نجد متقدماً طلبناهم من الخارج! وهو كلامٌ لا يُشترى في السوق هذه الأيام. فالجميع يعرف كيف يستمر تدهور الخدمات الطبية، حين نبعد الكوادر الوطنية، ونفضّل عليها الأجنبية وخصوصاً الآسيوية، التي تتخذ من البحرين «قاعة ترانزيت» لاكتساب الخبرة في مستشفياتنا لمدة عام أو عامين، لتأخذ طريقها للهجرة نحو بريطانيا وغيرها.

في تلك الليلة، اكتشفت على الهواء، كيف يفكّر الطاقم الإداري بالوزارة، وكيف يستمر تدحرج وزارة الصحة نحو الأسفل، بسبب هذه السياسات. مع ذلك آثرت الصمت طوال الشهرين الماضيين، حتى وقعت الفضيحة الأخيرة: وفاة طفلين وشابٍ في عمر الزهور، خلال خمسة أيام مؤخراً في أروقة وزارة الصحة التي لجأوا إليها للعلاج، فلم يعد بالإمكان التزام الصمت بعد أن أخذ التدهور يُترجم إلى خسائر في الأرواح البشرية.

في طريق عودتي للمنزل تلك الليلة، اتصلت ببعض الأطباء، لأتأكد من معلوماتي: هل الأولوية في هذه الوزارة فعلاً لتوظيف الأطباء والممرضين والممرضات البحرينيين الخريجين؟ وسمعت عن وجود عشرات وعشرات العاطلين، بعضهم ينتظر فرصته للتوظيف منذ عدة سنوات. وكان هناك تأكيدٌ على وجود عملية إفراغ لأكبر مستشفى مركزي في بلادنا، من الاستشاريين وأهم الكوادر الطبية البحرينية ذات الخبرات، بعدما أصبح بيئةً طاردةً، فضّل أغلبهم الخروج للعمل بالقطاع الخاص.

أوضاع وزارة الصحة لا تسر بحرينياً قط، فهي إلى تقهقر وانحدار، وسياسة المكابرة ونكران الحقائق، والتغطية على الإخفاقات بحملات العلاقات العامة وتنظيم حفلات العشاء، لن تزيد إلا تعميةً على الحقائق وإخفاء المزيد من القمامة والأتربة تحت السجاد.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2017/01/10