أميركا... الاعتراف بأبوّة «داعش»!
قاسم حسين ..
يعترف اليوم الجمهوريون والديمقراطيون في الولايات المتحدة الأميركية، بأن بلادهم هي الأب الشرعي لما يُسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق، والمعروف دلالاً باسم «داعش».
من قبل، اعترفت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلنتون، وفي جلسة استجواب أمام الكونغرس الأميركي، بأنهم هم الذين أوجدوا هذا الوحش «داعش»، ورعوه وربّوه وفتحوا له أبواب التمويل والتعزيز والتمكين في الأرض. ولا ننسى أن هذه الوزيرة السابقة، كانت مرشحة الديمقراطيين قبل شهرين فقط للوصول إلى منصب الرئاسة، وكانت أغلب النخب السياسية والإعلامية ترجّح فوزها، رغم كثرة خيباتها وإخفاقاتها أثناء وزارتها.
واليوم يثنّي على كلامها، منافسها الجمهوري، الرئيس الجديد دونالد ترامب، بأن إدارة بلاده هي التي أوجدت «داعش»، ليس بالعمل المخابراتي والخطط السرية والتلاعب بخيوط اللعبة العسكرية بالمنطقة فحسب، كما نعتقد نحن أبناء الشرق الأوسط، وإنّما من خلال الانسحاب من العراق في الوقت الخطأ، ما ترك فراغاً أتاح لـ«داعش» الظهور. وهو اعترافٌ مهمٌ، وإن كانت الحجة معكوسةً، لأنه يوماً ما على الغزاة أن يغادروا البلد الذي احتلوه، حتى لو كان ترامب هو الرئيس، وساعتها سيظهر هذا الوحش.
هذا الاضطراب يعكس التناقضات التي تواجهها السياسة الأميركية، التي تجلّت بوضوح هذا الأسبوع، عبر خطاب الرئيسين الراحل والقادم. فباراك أوباما في آخر خطابٍ له، قال أمام عشرين ألفاً من مناصريه، إن أميركا أصبحت اليوم أقوى من قبل! واستعرض عدداً من «الإنجازات الكبيرة» التي يستخف بها ترامب جملةً وتفصيلاً. ففي أول مؤتمر صحافي يستفتح به عهده، قال ترامب إن أميركا اليوم هي في أضعف حالاتها، ووعد باستعادة مجدها وقوتها، وهي الوعود التي بسببها منحه الأميركيون أصواتهم.
إحدى نقاط الاضطراب في الولايات المتحدة، التلاعب بجهاز المخابرات الأميركية، الذي يمثل أداةً مهمةً في السياسة الخارجية الأميركية منذ سبعين عاماً، حيث استخدمته كعصا غليظة ضد معارضيها، باغتيال رؤساء تكرههم أميركا، وتثبيت رؤساء تكرههم شعوبهم؛ ولكن أميركا تحبهم. وهذا الجهاز يسيء الطرفان استخدامه، كلٌّ بطريقته. فالديمقراطيون حاولوا أن يجيّروها في التشكيك بفوز ترامب، بادعاء أن الروس نجحوا في إحداث اختراقات أثّرت على نتائج الانتخابات الرئاسية. وهي دعوى سخيفة ومسيئة لهذا المؤسسة الضخمة، وإهانة لتاريخها، ردّ عليها ترامب بأن نشر معلومات كاذبة وملفقة باسم المخابرات أمر مشين. ومن المؤكد أنه سيتخلص في أقرب فرصة، من كلّ من يعمل بالجهاز، خصوصاً القيادات العليا التي تورّطت في «فبركة» هذه التقارير، والإتيان بعناصر جديدة تماماً.
ما يحدث في أميركا هذه الأيام، أكبر من انتخابات رئاسية، أو استبدال رئيسٍ منتهٍ برئيس جديد، فهناك خلافٌ كبيرٌ في مجمل السياسات، الداخلية والخارجية، يتخذ طابع التحدّي الصبياني والتهديد بتخريب أو عرقلة عمل الآخرين! فأوباما استبق مجيء ترامب بطرد الدبلوماسيين الروس من أجل تعقيد عمله، فيما ردّ عليه ترامب، بالتهديد بنسف ما كان يفاخر به من قانون للضمان الصحي، والإتيان بآخر أفضل منه!
إن أهم ما عرفناه نحن الشرق أوسطيين، في كلّ هذه الفوضى الخلاقة، التي تمس مستقبلنا جميعاً، اعتراف الأميركيين بأبوّتهم لهذا التنظيم اللقيط «داعش»، الذي كنّا نظن أنهم «ثوار عشائر عربية»! والأهم أنه اعترافٌ جاء في الوقت الذي أخذ يتبرّأ منه كلّ من شارك في إجراءات التلقيح الصناعي وضمان عملية الحمل والتوليد!
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/01/13