لماذا أسقطت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان الدراز من تقريرها؟
هاني الفردان ..
في سابقة فريدة من نوعها، أصدرت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تقريرين سنويين لها (2015 و2016) يوم الأربعاء (11 يناير/ كانون الثاني 2017) دفعة واحدة، وفي مطلع العام 2017، مخالفة ومتجاوزة بذلك نص قانونها في المادة (21)، التي نصت على أن «يضع مجلس المفوضين تقريراً سنوياً لجهودها وأنشطتها وسائر أعمالها، على أن يرفع ذلك التقرير السنوي إلى المجلس ومجلس الوزراء ومجلس النواب ومجلس الشورى، كما يعرض على الرأي العام بالتوازي».
منذ 20 يونيو/ حزيران 2016 وحتى يومنا هذا تعيش منطقة الدراز ما يعرف بـ «الحصار الأمني» المفروض عليها، وذلك منذ إسقاط جنسية الشيخ عيسى قاسم، ذلك «الحصار» الذي غاب عن أدبيات المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، لم يكن غائباً عن الجهات الرسمية التي تعترف به بمسميات مختلفة ولأسباب متعددة.
نمتلك الحق في انتقاد المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وتوجهاتها ومواقفها؛ كونها خرجت عما نعتقد أنه أساس تكوينها، وهو قول الحقيقة على أقل تقدير، وتوثيقها حفاظاً على سمعتها التي فقدتها مع عدم حصولها على الاعتمادية الدولية؛ بسبب عدم قناعة المجتمع الدولي باستقلاليتها.
تلك القناعة الدولية، لم تأت من فراغ، ولا افتراء، واستهداف لمؤسسة كانت تقوم بواجبها ودورها الحقيقي تجاه مجتمعها وناسها؛ بل كانت مبنية على أسس قانونية واضحة ورؤية متأنية، ومعرفة حقيقة لواقع تلك المؤسسة والهدف الحقيقي من إنشائها وتعيين من على رأسها.
تجاهل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان لأحد أهم الحوادث الحقوقية والإنسانية في البحرين خلال العام 2016، والذي مازال قائماً حتى الآن وهو «حصار الدراز» لم يكن مستغرباً أبداً، إذا ما عرفنا أن نائب رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان قال في ندوة أقامتها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في جنيف (سبتمبر/ أيلول 2016) أنه «يذهب إلى الدراز ولا توجد بها مشكلة»! وكلنا يعلم أنه لا يوجد أحد في البحرين يقول إن الدراز لا توجد بها مشكلة، حتى الحكومة بنفسها تقرُّ بوجود المشكلة وتؤكدها، بل صرحت مراراً وتكراراً بشأن ذلك، ونسبت كل القضية إلى وجود «تجمع غير قانوني» هناك!
فكيف نتوقع أن يوثق تقرير المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أو يناقش قضية هو في الأصل لا يجدها «مشكلة»، ولم يرها، ولم يتلمسها، على رغم أن العالم رآها وتلمسها وتحدث عنها بما فيها الجهات الرسمية التي تعترف بها، ومازالت مستمرة ومتمسكة بها.
تخيل أن البحرين تعيش حاليّاً قضية كبرى سياسية وحقوقية تتمثل بما يحدث في منطقة الدراز، ومنذ نحو 180 يوماً، فيما لم تتطرق المؤسسة إلى هذه القضية حتى ببيان واحد، بل وبصراحة ان قياداتها رأت «عدم وجود مشكلة»!
حتى هذا اليوم فإن لمحة سريعة على شارع البديع، وكلما اقتربت من منفذ يمكن أن يؤدي إلى الدراز ستجده مغلقاً بمدرعات أو سيارات أو أسلاك شائكة أو جدران أسمنتية تحول دون الوصول إلى داخل القرية، فالمنظر بحد ذاته ليس طبيعيّاً وليس اعتياديّاً، وهو ما يؤكد وجود «مشكلة» في المنطقة، لم ترها المؤسسة بعد، ولم تذكرها في تقريرها.
معاناة أهالي الدراز وأهاليهم وأقربائهم تتكرر يوميّاً ومنذ 6 أشهر، فلم تكلف المؤسسة الوطنية نفسها زيارة المنطقة لرصد شكاوى الناس، والحديث معهم، قبل الحديث عن «عدم وجود مشكلة» هناك، وإصدار تقريرها السنوي الذي تجاهل القضية برمتها.
غاب عن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أن أحد أهم «المقومات الأساسية للمجتمع وحقوق وحريات الأفراد والواجبات العامة»، والذي أقره المشرع البحريني بشأن «حرية التنقل» من «عدم جواز تحديد أو تقييد إقامة أي شخص أو فرض قيود على تنقله إلا وفقاً للقانون وتحت إشراف ورقابة القضاء. فلكل مواطن بحريني أن يقيم داخل إقليم دولته، ولا يجوز إلزامه بالإقامة في مكان معين، إلا في الحالات والأحوال التي يحددها القانون، كذلك فإن لكل مواطن حرية الذهاب والمجيء أو حرية الغدو والرواح والانتقال من مكان إلى مكان آخر داخل أرض الوطن، ولا يجوز منع أي مواطن من التنقل إلا في الأحوال التي يحددها القانون».
بعد فشل المؤسسة في نيل الاعتمادية الدولية، ودخولها عالم «الصراعات الخفي» و»الصمت الأزلي»، يمكن التأكيد بأن هذه المؤسسة كشفت عن حقيقة تشكيلها ووجودها، وأن ماعملت عليه في سنواتها الأولى لم يكن هدفه تعزيز حقوق الإنسان، بقدر ما كان الحصول على الاعتراف الدولي، ومن ثم التستر على انتهاكات حقيقية لحقوق الإنسان، وأن تجاهلها الآن ما يحدث، هو رد فعل لعدم نيل ذلك الاعتراف الدولي بها كمؤسسة حقوقية مستقلة يمكن الاعتماد على تقاريرها.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/01/14