الشماتة ليست فضيلة
هاني الفردان ..
من يتربّى على الأخلاق الفاضلة ويتأسى بسيرة نبي الأمة (ص) لا يشمت ولا يفرح بمصائب الآخرين سواءً كانوا مسلمين أو غير مسلمين.
مهما كان الفعل، فإنه لا ينبغي للمسلم أبداً أن يشمت أو يفرح لمصائب الآخرين، لأن المسلم الحقيقي لا يكن حقداً لأحد ولا يبغض أحداً، ولكنه يكره أفعال البعيدين عن فعل الخير ويدعو للجميع بالهداية والمغفرة.
التشفي ليس خُلقاً إنسانياً ولا دينياً، والنبي (ص) قال: «لا تُظهر الشَّماتة بأخيك فيُعافيه الله ويَبتليكَ».
حفلات زار، وأخرى خصصت للشماتة، وتنادى ممن يمكن أن يوصفوا بـ«المهووسين» و«الموتورين»، إلى الشماتة وتأجيج الأحقاد ومشاعر الكراهية والفتن، والرقص على مصائب الآخرين، لزيادة تعقيد حياة هذه الأمة وتعميق جروحها والفتك بما بقي من تماسك مجتمعها.
لا أخلاق في شماتة، فما حدث وشهدناه، لا يمكن أن يمت للدين بصلة ولا للخلق الإنساني أو الإسلامي على الإطلاق، فمن يدّعي أن له مبدأ في حياته، لا يشمت بمصائب الآخرين.
قصة رائعة لأحد الأمراء العرب عندما نفذ القصاص على ابنه بإعدامه بعد قتله أحد العامة، وتوالت الحكايات وقصص الشماتة وصيحات الجهلاء، حتى خرج ذلك الأمير الحزين على ابنه ليقول: «الحمد لله على كل حال، اللهم اجعل إقامة حد القصاص على ابني كفارةً له»، لينزع ذلك الفتيل من التأزيم، ويحوّل موجة «الشماتة» إلى ترحّم على الجميع، فقد أصبح الجميع بين يدي الله، حاملين معهم ما لهم وما عليهم.
في أوضاعنا الحالية وما يحدث من مآسٍ، فإن الجميع مبتلى، حتى وإن كنا خارج الدائرة الضيقة للحدث، إلا أننا نعيش في الدائرة الأوسع من الأزمة، فنتلمس آلام المقربين، ولا يسعنا إلا طلب الرحمة للجميع.
إنه الموت الذي لا مفر منه، سيطال الجميع اليوم أو بعد حين، فلا أحد يشمت فيه، ولا يفرح به إلا من هو عارٌ على هذه البشرية وخارجٌ عن قيم الإنسانية.
الموت من أعظم ما يقع على الإنسان من الابتلاء، له ولمَن يتركهم بعده، وعند المصائب يجب الاعتبار والاتعاظ، والرحمة الإنسانيّة تحمل على الحزن مهما كانت معاملة الميّت ومواقفه أو حتى أعماله. لقد قام النبي (ص) لجنازة، ولما قيل له: إنها ليهوديٍّ، فقال: «أليستْ نفسًا»؟ (رواه البخاري ومسلم).
الشماتة من الصفات الأساسية الراسخة في نفوس من «إذا خاصَم فَجَر»، ومن الفجور الشماتة، فلا تشمت بموت أحد، بل كل ما يحدث حولنا هي دعوة للجميع بالاتعاظ بالموت، وأخذ العبرة مما حدث، والتذكر بأن أجلنا نحن أيضاً قريب وليس ببعيد، وكل ما نرجوه هو حسن الخاتمة.
الشماتة بالمصائب التي تقع للغير تتنافَى مع الرحمة التي يُفترض أنّها تسود بين الناس جميعاً، والنبيّ (ص) على الرغم من إيذاء أهل الطائف له، لم يشأْ أن يدعوَ عليهم بالهلاك، ولكنه (ص) قال في نبل وسموِّ خلق: «لا، بل أرجو أن يُخرجَ الله من أصلابِهم من يعبده لا يشرك به شيئاً». لقد تسامى في النبل والكرم فدَعا لهم بالهداية والمغفرة.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/01/16