آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

تنصيب إمبراطوري لترامب


قاسم حسين ..

طغى حفل تنصيب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب على شاشات التلفزيون لساعاتٍ مساء الجمعة  الماضي، حيث عكس الحفل تلك النزعة الإمبراطورية لدى الأميركيين.

ترامب وزّع وعوده بسخاء على الشعب الذي يريد أن يعيد له الازدهار، وكان خطابه مدغدغاً للعواطف، حيث ركّز على استعادة هيبة وأمجاد ومكانة أميركا وعظمتها، كما عزف على وتر قدرة الأميركيين على التغيير. وهذان الأمران كانا أيقونتين رئيسيتين، في خطاب باراك أوباما، في يوم تنصيبه، قبل ثمانية أعوام: «استعادة قوة أميركا» و «نعم نحن نقدر».

الحفل بهذا الإخراج الهوليوودي، إلى جانب ما تضمّنه من رسائل سياسية لدول العالم أجمع، فإنه كان رسالة فخرٍ أميركية للعالم الخارجي، بديمقراطيتها العريقة. وفي هذا الحدث يحرص الرؤساء السابقون على الحضور مع زوجاتهم في هذا العرس الوطني، لكن كل ذلك لا يخفي حقيقة ما تتعرّض له هذه «الديمقراطية العريقة» من تحديات، ليس من الخارج، وإنّما من الداخل. فالرئيس الجديد أعلن عشية الانتخابات أنه لن يقبل بنتائج الانتخابات إذا لم يفُز هو بها، أما معارضوه فتظاهروا ضده عشية تنصيبه، ورفعوا شعارات تطالب بمنعه من تسلّم السلطة! بل هناك من الحزب الديمقراطي من طالب سلفه باراك أوباما بالترشّح قبالته، بدل مرشحتهم الضعيفة هيلاري كلينتون، على رغم معرفتهم باستحالة ذلك لتعارضه مع الدستور.

في خطاب التنصيب، تكلّم الرئيس الجديد دون العودة إلى رسالة مكتوبة، وإنما بإملاء من ذاكرته، وكرّر كل ما كان يقوله خلال حملته الانتخابية، فالرجل وعلى خلاف ما يقوله خصومه، له رؤيته السياسية وقناعاته الراسخة، أعجبتنا أم لم تعجبنا. وسيعمل على تحقيقها وفرضها على بلاده والعالم، بقدر ما تواتيه الفرصة والظروف، وسينجح في بعضها ويفشل في بعضٍ آخر. فالرئيس هناك لا يملك الرقاب، ولا يُترك لوحده يتحكم في البلاد على هواه، فأوباما أعطى الناخبين الشمس بيد، والقمر بيد، ولكن حصيلة ثماني سنوات كانت محدودة، وأهم ما أنجزه أصبح في مهب الريح، حيث قام خلفه في أول يوم له في البيت الأبيض، بإلغاء مشروعه الأكبر حول التأمين الصحي: «أوباما كير».

في يومه الأول، انطلقت مظاهراتٌ ضده، رفعت فيها شعارات أحدها: «ترامب ليس رئيسي»، وعلى رغم أن عددهم قارب المليون، من مختلف الولايات، إلا أنه لن يكترث لهم، وسيمضي ليقود أميركا ويبدأ بتطبيق سياسته. واللافت خروج مظاهرات نسائية خارج أميركا، في الجزء الشرقي من العالم، اليابان وأستراليا ونيوزيلندا، إضافةً إلى دول أخرى في أوروبا، كل ذلك احتجاجاً على مواقفه المزدرية للنساء.

البعض أبدى استغرابه من وصول شخصٍ بمثل هذه المواصفات إلى حكم أقوى دولةٍ في العالم، وهو أمر ليس جديداً، سواء في أميركا نفسها أو بقية أجزاء العالم. ففي أميركا اختار الناخبون قبل 16 عاماً جورج بوش الابن، ولم يكن يحمل من المؤهلات ما يسمح له بقيادة هذه الدولة العظمى، حيث كان يجهل أسماء بعض عواصم الدول الحليفة لبلاده، ولكنه ترشّح وفاز، فقط لأنه سليل أسرةٍ ثريةٍ تتعامل في صناعة النفط. وحتى بعدما ورّط بلاده في حربين مدمرتين، في العراق وأفغانستان، أعاد الأميركيون انتخابه مرةً أخرى.

هذا الرئيس لم يأتِ من فراغ، أو يفرض نفسه بانقلاب عسكري، وإنّما جاء عبر صناديق الاقتراع، وبسبب وجود حالة شعبية متعطشة لهذه السياسة، التي تنادي باسترجاع عظمة أميركا، بعد الإخفاقات التي تعرّضت لها وتراجع موقعها ونفوذها الدولي.

ترامب شخصية مثيرة وخطيرة، لكنه ليس غبياً، وحين قابلته النجمة التلفزيونية أوبرا وينفري قبل 30 عاماً، وسمعت خطابه قالت إن كلامه يبدو كحديث «رئاسي سياسي»، وسألته: هل ترغب في الترشح؟ فقال: ربما لا، لكني إذا ترشحت سأفوز. هذا الشخص القوي الواثق جداً من نفسه... هو ما كانت تبحث عنه أميركا في هذه اللحظة من التاريخ.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2017/01/24

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد