تقشف الحكومة يقلل من مصروفاتها ويزيد من أعباء المواطن المالية
سلمان سالم ..
المواطن في هذه الأيام يشعر بضيق وتضييق اقتصادي شديد وخانق، لم يمر عليه مثله في قساوته طوال عمره، حيث لم يعد دخله الشهري المتواضع يكفيه لسد احتياجاته الأساسية، من المأكل والملبس وتسديد فواتير الكهرباء والماء والهاتف وأقساط وتأمين وتسجيل السيارة، وغيرها من الاحتياجات اليومية، ولا يمكننا أن نعتب على أي مواطن إذا ما رأيناه يتحدث مع نفسه دون شعور وهو يمشي في الشارع، كالمواطن المتقاعد الذي رأيته في يوم السبت الموافق (21 يناير/ كانون الثاني 2017)، بأحد البنوك وهو يسأل نفسه بصوت عال: كيف يعيش المواطن الذي دخله الشهري لا يتجاوز 400 دينار أو أقل منه بكثير؟ إذا كانت قيمة فاتورة الكهرباء والماء تجاوزت 30 دينارا، وقيمة فاتورة الهاتف والإنترنت وصلت إلى 35 ديناراً، ومقدار البنزين الذي يستهلكه شهريًّا لسيارته يتجاوز قيمته 60 ديناراً، وقيمة التأمين السنوي لسيارته تقدر بـ 150 ديناراً، وقيمة قسط السيارة الشهري 120 ديناراً، ومصروفاته اليومية لا تقل عن 15 ديناراً، ومشترياته الشهرية من المواد الغذائية تزيد على 70 ديناراً.
وأخذ يسأل المتواجدين في البنك، بالله عليكم كيف يعيش مثل هذا الشخص والأشخاص الذين يعيشون في ظروف أقسى من ظروفه؟ هل يستطيعون أن يصرفوا على أولادهم وبناتهم مثل الناس؟ كيف يقدرون على تسيير أمورهم الحياتية والمعيشية من غير أن تحدث لهم متاعب صحية ومشاكل معيشية؟ وأخذ يحلف بالله العظيم أنه بسبب ضيق العيش والتفكير الدائم في حاله المأساوي، أصيب بأمراض كثيرة، من ضمنها ارتفاع ضغط الدم.
الرجل، الذي يتناول في كل يوم، بحسبه، أكثر من 10 أنواع من الأدوية الطبية عن الأمراض المبتلى بها، أخذ يتنهد وهو يردد، ليس بيدنا إلا أن نسأل الله أن يمن علينا بالصبر على هذا الحال الصعب، كما رأيت الناس الذين جاؤوا للسحب من الصراف الآلي وكأنهم من خلال ترديدهم عبارة (الله يعين الجميع يا حجي) يريدون أن يقولوا له، لست وحدك الذي يعيش في هذه الظروف الصعبة، هناك نسبة كبيرة من أبناء البلد لا يستهان بها دخولهم الشهرية بين 200 و600 دينار، وأحوالهم المعيشية مثل أحوالك وأشد منها بكثير، ونسبة كبيرة منهم يعيشون في ضنك شديد من العيش، لا يعلم بحجمه وأثره النفسي والمعنوي والصحي عليهم إلا الله تعالى.
الكثيرون من البحرينيين، في مختلف محافظات البلاد يعيشون تحت خط الفقر، والكثيرون منهم يتلقون مساعدات شهرية أو موسمية (في عيدي الفطر والأضحى، وافتتاح المدارس، وشهر رمضان المبارك) من الجمعيات الخيرية، التي يصل عددها في البحرين إلى 102 جمعية، قبل تنفيذ قرارات رفع الدعم عن اللحوم والدجاج والكهرباء والماء والمحروقات، وقبل رفع قيمة العشرات من الرسوم الحكومية في الكثير من الخدمات، وقبل ارتفاع الأسعار الفاحش، وقبل التفكير في وقف العلاوة السنوية عن موظفي الحكومة، المسجلين ضمن سجلات ديوان الخدمة المدنية، يا ترى كيف سيكون حالهم الآن بعد تنفيذ كل تلك القرارات الثقيلة والمنهكة؟
بالتأكيد سيكون حالهم المعيشي أشد من السابق بكثير، وأن وضعهم المادي المتدهور يخجل منه حتى الفقر وتعففهم يعجز الصبر عنه، لن نستغرب إذا ما قيل لنا إن الكثير من العوائل البحرينية التي كانت تعتبر من الفئة المتوسطة ماديا قبل تنفيذ التقشف الحكومي، قد أصبحت من العوائل الفقيرة التي تستحق المساعدة والعون، لكي تتمكن من مواصلة حياتها المعيشية بالحد الأدنى، نسبة كبيرة من المواطنين البحرينيين قد تغيرت درجاتهم المعيشية إلى الأق ، وإذا ما استمر الحال الاقتصادي يتراجع بسبب انخفاض سعر برميل النفط، سيكون المواطن هو الذي يتحمل انعكاساته وتداعياته الكبيرة، لابد من الجهات الرسمية والسياسيين والاقتصاديين والمؤسسات الخاصة والشركات الكبرى ومؤسسات المجتمع المدني، الدخول في حوار جدي لإيجاد الحلول الناجعة للأزمة السياسية والاقتصادية التي تضر بمصالح البلاد، وتشل وتعطل الكثير من المشاريع الكبرى في مختلف المجالات، بعيدا عن كل المؤثرات النفسية التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من التأزيم والتعقيد.
فالتفكير جديا في مصلحة الوطن والمواطن هو السبيل الأمثل للخروج من كل الأزمات التي مازالت تؤثر سلبيا وبصورة مباشرة على البلاد والعباد، فجميع المواطنين يتمنون لبلدهم الخير والازدهار والرفعة والريادة في كل المجالات الاقتصادية، فمن يفكر في غير هذا يكون شاذا ويشك في وعيه وإدراكه، وهذا الأمر لا يمكن لأي منصف نكرانه.
إن بلدنا زاخر بالكفاءات والقدرات والإمكانات الوطنية، القادرة على إيجاد الحلول الناجعة لكل المشاكل والقضايا الكبيرة والصغيرة التي يعاني منها وطنهم في وقتنا الحاضر.
نأمل أن تكون هناك مبادرات رسمية جادة في القريب العاجل، من أجل إدخال البلاد في مرحلة جديدة من التفاهم والتوافق في مختلف القضايا، التي أدت إلى حدوث الأزمة الاقتصادية الخانقة، وثقتنا بالله كبيرة وليس لها حدود، بأنه سبحانه وتعالى سيوفق الذين يفكرون بجد في مصلحة بلدهم الطيب، ولن يخذلهم مادامت نياتهم صادقة في تقديم أفضل الخدمات إلى وطنهم ومواطنيهم.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/01/26