بين الديمقراطية والتسلطية
شفيق الغبرا ..
صراع النموذج الديمقراطي والتسلطي ليس جديداً، وهو لن يحسم في مدى قريب في قارات كآسيا وإفريقيا والعالم العربي الممزق. فوفق المفكر السياسي هنتنغتون جاءت موجة معاكسة للديمقراطية بعد كل موجة ديمقراطية. الموجة الثالثة للديمقراطية التي فاجأت العالم في أواسط سبعينات القرن العشرين، حتى سقوط الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية، حافظت على الكثير من مكتسباتها في مواقع كثيرة، على رغم التراجعات التي برزت في آسيا وإفريقيا بشكل أساسي.
يمكن الاستنتاج بأن التسلطية مقنعة لمدد زمنية محددة، وخاصة أن هناك مناطق في العالم عصية على ممارسة الديمقراطية، بسبب عمق السلطوية في بنيانها الإداري والثقافي.
ويعزز السلطوية انتشار نماذج ناجحة تحظى بالقبول كما هو حال الصين بسبب قدرتها على التنمية، وهذا ينطبق بدرجة كبيرة على نماذج فاعلة تخلق نتائج اقتصادية وتنمية واضحة في ظل رؤية. ففي تجربة سنغافورة وقلة صغيرة من التجارب العربية (المعتمدة على ثروة نفطية مؤقتة) في الخليج ما يؤكد هذا الاتجاه. هذا النمط من التنمية اعتمد أساساً على رؤية، وطريقة فريدة في القيادة وتركيز على الإنجاز. ويضاف لهذا النموذج نماذج، كالروسي على سبيل المثال، حيث بوتين الذي صعد للسلطة في ظل حالة انتخابية مناقضة للكثير من القيم الديمقراطية.
وترتفع مطالب الديمقراطية عندما يشعر مجتمع بأن القيادة غير المنتخبة وغير المساءلة قد وصلت لأزمة بسبب ضعف نتج عن غياب التنافس السياسي والمساءلة والفساد. كثيراً ما يكون المدخل للثورة الديمقراطية فشل اقتصادي وتراجع لمشروع الدولة يصاحبه عدم القدرة على ممارسة التغيير. وتصل الأزمة لأحد منعطفاتها عندما تدخل النخب في صراع كبير بشأن الأحقية في القيادة، في ظل ضعف آليات انتقالها من حاكم لآخر. ففي الديمقراطيات الراسخة تلعب آليات التداول السلمي دورها في امتصاص النزاع بين النخب. كان يوم العشرين من يناير/ كانون الثاني العام 2017 يوم تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة مليئاً بالتوترات. وعلى رغم ذلك التوتر الكبير إلا أنه وبفضل تقاليد راسخة ومؤسسات تعنى بالانتقال السلمي، مر اليوم بسلام.
الحل الديمقراطي صالح عندما يجد الناس بأن القرارات الحكومية لم تكن مدروسة، ولم تنجح في استيعاب قدرات المجتمع، وأن المجتمع لا يملك طريقة للتغيير السلمي للسلطة. هنا بالتحديد تصبح مطالب المشاركة والديمقراطية وضرورات الرأي الآخر أكثر زخماً وقوة. لقد طالب الطلبة والشبان في الصين بديمقراطية وحريات، لكن الدبابات سحقت مطالبهم في 1989. ومع ذلك فهذه المطالب سترتفع مجدداً في الصين عندما يصل النموذج الصيني لسقفه السياسي والاقتصادي والاجتماعي. في وقت كهذا سيبحث المجتمع الصيني عن شرعية جديدة تقوم على مشاركة المواطن في صناعة القرار، وانتخاب القادة ومساءلتهم عن خططهم وتوجهاتهم، وهذا سيتطلب حريات وضمانات دستورية ليست متوفرة اليوم.
ولا يشترط أن تقتصر الديمقراطية في المستقبل على الانتخابات والتصويت وتوازن السلطات الثلاث، فهذا جزء من الديمقراطية. بل ستزداد قيمة المساءلة والشفافية والمؤسسات التي تحمي الحقوق والحريات والعدالة والمواطنة. في الممارسة الديمقراطية سترتفع نسب التركيز على الاستفتاءات الشعبية، وعلى استيعاب القوى الاجتماعية المهمشة والمستثناة، وبنفس الوقت ستحتوي البرلمانات بصورة أكبر على كوتا للمرأة والأقليات، بينما ستضع المؤسسات الرقابية المدنية خارج البرلمان والسلطات الثلاث حدوداً واضحة لسيطرة رأس المال على نتائج العلاقة بين الفقراء والأغنياء، كما وستضع حدوداً لسيطرة قوى النفوذ واللوبيات على تعبيرات المجتمع الحرة.
مازال العالم العربي، نسبة لبقية القارات والمجتمعات، هو الأكثر حرماناً من الحقوق والديمقراطية والمساءلة، وهو الأكثر تقبلاً لسلوكيات الفساد بين نخبه. إن ضعف البصيرة في الأطر القيادية العربية ستفرض نفسها مع الوقت على شكل الحلول وعلى آفاق موجة قادمة لربيع عربي جديد. الحاضر العربي عنيف وتسلطي واستبدادي، وهذا بحد ذاته يمثل مدى فشل النظام العربي في تأمين كرامة المجتمعات وحقوق الناس وتطلعاتها.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/01/27