نايف راشد الرحيلي ..

زارت امرأة صديقة لها تجيد الطبخ لتتعلم منها طريقة قلي السمك، وأثناء التحضير لاحظت أنها تقطع رأس السمكة وذيلها قبل أن تضعها في المقلاة، فسألتها عن سبب قطعها لرأس السمكة وذيلها، فأجابتها بأنها لا تعلم، وأنها تعلمت ذلك من والدتها فطلبت منها صديقتها أن تسأل والدتها عن السبب، فاتصلت بوالدتها وسألتها، لكن الأم أيضا قالت إنها لا تعلم، وأنها تعلمت تلك الطريقة من أمها (الجدة)، وعندما سألوا الجدة عن السبب أجابت بكل بساطة: لأن مقلاتي كانت صغيرة ولا تكفي لكامل السمكة فكنت أقطع رأس السمكة وذيلها حتى تتسع لها المقلاة!

الناس في الغالب يقلدون الأفعال الموروثة من أسلافهم، ويحيطونها بهالة من القدسية ويأخذونها على أنها مسلمات لا يمكن التشكيك بها أو تغييرها أو حتى مناقشة لماذا كانوا يفعلونها ولا يرغبون في إخضاعها للعقل والمنطق أو حتى مجرد التفكير في أسباب حدوثها، ولو سألتهم لماذا تتصرفون بهذه الطريقة لوجدوا لأنفسهم عذرا وقالوا: من المؤكد أن في الأمر حكمة لا نعلمها!

قد يكون للأجيال السابقة أسباب ومبررات لأفعالهم وتصرفاتهم أجبرتهم عليها ظروف المكان والزمان، أو المواقف التي مروا بها جعلتهم يتصرفون بهذه الطريقة أو تلك، ومن المحتمل أن أسبابها قد زالت في الوقت الحاضر ولا داعي لتكرار ذات الفعل بنفس الطريقة والأسلوب، فمن الخطأ الاستمرار بفعل شيء لا نعلم لماذا نفعله!

لا يقتصر تقليد أفعال وأساليب السابقين من غير معرفة المبررات التي فرضتها الظروف على المستوى الشخصي الفردي، بل تعدى الأمر إلى العمل المؤسسي، فهناك من الموظفين في بعض المؤسسات من يقوم بإجراءات عمل لا يعلم الهدف منها غير أن من سبقوه كانوا يقومون بذات الإجراءات، فقد أخبرني صديق بأن إحدى قريباته الذي هو محرم لها راجعت خلال الأيام القليلة الماضية فرع أحد البنوك المحلية لإنهاء معاملة خاصة بها، وعلى الرغم من أنها تملك بطاقة هوية وطنية تثبت هويتها، إلا أن موظفة البنك في قسم النساء ناولتها ورقة وطلبت منها أن يقوم محرمها بتوقيعها من قسم الرجال في البنك لتأكيد هويتها، يقول: بعد توقيع الورقة من قسم الرجال سألت الموظف: لماذا هذا الإجراء وهي لديها إثبات لهويتها؟ أجاب: لا أعلم ولكن هذا إجراء معمول به منذ فترة طويلة!

أخيرا.. لا تأخذ جميع ما ورثته من أفكار وسلوك وأفعال على أنها مسلمات ومعتقدات لا تقبل النقاش وإعادة التفكير في صحتها وملاءمتها للعقل والمنطق والظروف الحالية، بل دائما اسأل لماذا؟ قبل أن تقوم بأي فعل، وما الهدف من التصرف بهذه الطريقة دون غيرها، فليس كل ما تعلمته من السابقين صحيح!

صحيفة مكة