11 مليون دولار فقط؟
قاسم حسين ..
أعلن مستشار رئيس غامبيا الجديد، أن أكثر من 11 مليون دولار قد اختفت من خزائن الدولة عقب رحيل الرئيس السابق يحيى جامع عن البلاد.
غامبيا أصغر دولة إفريقية، وهي مجرد شريط مستطيل من الأرض، يخترقه نهر السنغال من الشرق إلى الغرب، ليصب في المحيط الأطلسي، بينما تحيطها السنغال من الجهات الثلاث. وكانت أول مرةٍ أبحث فيها عن موقع هذه الدولة على الخارطة حين كنت أقرأ رواية «الجذور»، حيث سعى مؤلفها أليكس هالي للبحث عن جذور أجداده القادمين من هذه الأرض.
شهود عيان رأوا سيارات فارهة وأشياء أخرى، يجري تحميلها على متن طائرة شحن تشادية ليلة خروج الرئيس السابق يحيى جامع، الذي حكم البلاد 22 عاماً، وحين جرت الانتخابات مؤخراً وفاز خصمه أداما بارو، أصرّ على البقاء في الحكم، رغم أنه اعترف بفوزه يوم إعلان النتائج في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي!
المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ايكواس)، التي رفضت الاعتراف بانقلابات سابقة وتدخّلت في السنوات الأخيرة لإرجاع الحكم المدني في عددٍ من الدول الإفريقية، هدّدت جامع بالتدخل عسكرياً وتنحيته بالقوة. حاول الرجل أن يركب رأسه ويصرّ على البقاء رغم أنف الديمقراطية والناخبين، إلا أن خطوات عاجلة اتخذت على الأرض، وأرسلت القوات لترابط على أبواب هذا البلد الصغير، الذي لا تزيد خاصرته عن عشرة كيلومترات على ضفتي النهر. وحين رآى جامع أن المجموعة جادة في تهديدها، خضع للأمر الواقع، وقبل بواسطة إقليمية تحفظ ماء وجهه، وأعلن تنحِّيه حفظاً لدماء الغامبيين!
ما جرى كان أشبه بتلك الأفلام التي أُنتِجت عن إفريقيا ومغامرات رؤسائها الدكتاتوريين وسياساتهم ونزواتهم، وهي غالباً ما ينتجها حلفاؤهم الغربيون بعد سقوطهم من الحكم. ففي اليوم التالي، دخلت قوات المجموعة الإفريقية العاصمة «بانجول»، لتأمين وصول الرئيس الجديد وتنصيبه رسمياً بعد عودته من الجارة السنغال، واحتشدت الجماهير خارج المجمع الرئاسي لتطلق هتافات الترحيب بالجنود.
مستشار الرئيس الجديد، قال للصحافيين إن بلاده تمر بأزمة مالية، وإن «الخزائن فارغة تقريباً»، نقلاً عن خبراء وزارة المالية والبنك المركزي. وأضاف أن الرئيس الهارب سرق أكثر من 11 مليون دولار، خلال الأسبوعين الماضيين فقط، ولم يشر إلى ما سرقه من قبل، أو مجموع ما استطاع جمعه من ملايين في البنوك الأجنبية طوال سنوات حكمه الـ22، مما قد يدخل في خانة المليارات.
11 مليوناً ليس رقماً صغيراً بالنسبة لغامبيا، فهي من أكثر دول العالم فقراً، وتعاني من معدل وفيات مرتفع وانتشار مرض الملاريا، وأهم صادراتها الفول السوداني، مع بعض الزيوت والأحذية، و70 في المئة من دخلها يأتي من السياحة، حيث تشجّع السلطات منح تراخيص لبائعات الهوى للعمل رسمياً في المناطق التي يرتادها السياح، وتقوم بين فترةٍ وأخرى بحملات ضد هذه التجارة لإسكات الانتقادات الدولية أو المحلية حيث يشكّل المسلمون 90 في المئة من السكان، علماً بأن الرئيس المؤمن يحيى جامع أعلنها جمهوريةً إسلاميةً في ديسمبر 2015.
إذا كان جامع قد جمع على عجلٍ 11 مليوناً خلال أسبوعين، فإن بإمكانه أن يجمع بسهولة جداً، 286 مليوناً خلال عام كامل، و6 مليارات و292 مليوناً على الأقل، خلال سنوات العافية والرخاء.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/01/30