ظاهرة ترامب... أزمة قيادة لا سياسة فقط
قاسم حسين ..
المُظاهرات الصاخبة ضد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، اعتراضاً على سياساته العنصرية، تثبت أن الولايات المتحدة تعاني مما يعانيه بلدان العالم الأخرى، حيث تمرُّ بأزمة قيادات، أكثر منها أزمة سياسات.
حتى الآن، ما كشف عنه ترامب، يشير إلى أنَّ سياساته الخارجية لن تختلف كثيراً عن المجرى العام لسياسات أسلافه، إلا بمزيدٍ من استخدام لغة التهديد والوعيد، والابتزاز والصدامات. والمفارقة أنه في أول أسبوعين له في البيت الأبيض، تظاهر ضده ملايين الأميركيين، ليس لأسباب داخلية تتعلق بالمعيشة والرفاهية الاقتصادية، وإنّما احتجاجاً على النزعة العنصرية الصارخة، باستهداف مواطني 7 دول إسلامية، وخصوصاً قضية اللاجئين الهاربين من دولٍ ساهمت الولايات المتحدة في تدميرها، واستدامة نزاعاتها لأطول فترة ممكنة.
لا ننسى أن ترامب لم يأتِ من كوكبٍ آخر فوق طبق طائر، ولم ينتخبْه الجنُّ، وإنّما انتخبه ملايين الأميركيين، في سياق تيار شعبوي جارف، يمثل أغلبيةً في الرأي العام. كما أنه لم يأتِ فجأةً، ولم تمثل أفكاره مفاجَأةً، وإنّما هذه هي أفكاره التي يبشّر بها منذ أول يومٍ ترشّح فيه، وأعاد تلخيصها في خطاب تنصيبه، دون حاجةٍ إلى ورقةٍ مكتوبة، وبسبب هذه الأفكار منحه غالبية الأميركيين أصواتهم. وبالتالي حين نمثِّل دور المصدوم أو المتفاجئ فإنما نكذب على أنفسنا، أو نثبت عليها دور الاستهبال.
ثم إن اختيار هذه الشخصية المتهورة الخطرة، ليس جديداً في تاريخ الشعب الأميركي، فقبل عقد ونصف، اختار نسخةً أخرى حين انتخب جورج بوش الابن الذي كان طالباً جامعيّاً متفلتاً، اتهمه البعض بحصوله على الشهادة الجامعية بالمال. ومن قبله بخمسة عشر عاماً أخرى، انتخب رونالد ريغان، الذي كان ممثلاً مغموراً اشتهر بأفلام «الكوبوي»، وقاد سياسةً صداميةً متهورةً طوال فترة الثمانينات، ومن قبله بخمسة عشر أخرى، اختاروا لندون جونسون، الذي أجّج الحرب العدوانية في فيتنام، واستخدم أسوأ أنواع الأسلحة المحرمة دوليّاً، وحرق قرى بكاملها، بمن فيها من بشر وحجر وشجر. فما الجديد؟.
حين انتخب الأميركيون بوش الابن، وأعلن في عامه الثاني حربه العالمية على الإرهاب، تمنّع بعض حلفائه الأوروبيين، مثل ألمانيا وفرنسا، بعدما خيّر دول العالم بين أن تكون معه أو ضدَّه. أما ترامب فقد اصطدم منذ أول أيامه في الحكم، مع الاتحاد الأوروبي، ومع جارته المكسيك وغريمته البعيدة الصين، ليقدّم نسخةً جديدةً، أكثر عنجهيَّة وتطرفاً واندفاعاً من بوش.
إن توالي هذه النماذج المتطرفة من الرؤساء على الولايات المتحدة، يثبت أنها تعاني من أزمة قيادة عميقة، وليس فقط أزمة سياسة عابرة، وهي ظاهرةٌ عامةٌ تعاني منها أغلب دول العالم في هذا المقطع من التاريخ. وفي مثل هذه الأزمة يحدث انشقاق عمودي في المجتمع، بين من ينحاز إلى رئيس الأمر الواقع، وبين من يقاوم ويحاول تدارك الأيام السود التي يقود إليها المجتمع. فالتهور والعنصرية وتمزيق المجتمع واستعداء بعضه على بعض، ونشر ثقافة الكراهية بين الأجناس والأعراق والأديان المختلفة، لا تقود إلا إلى انهيار المجتمعات والأوطان، ونشر الحروب والصراعات.
إنَّ تظاهر ملايين الأميركيين ضد ترامب، وإن كان في الوقت الضائع، فإنه محاولةٌ لتصحيح الأوضاع، حيث ينتبه المجتمع إلى الحفرة التي تنتظره. كما أنها تعبر عن رسالة إنسانية بليغة، يرسلها المجتمع الأميركي إلى شعوب العالم الأخرى، بأن ما يجمعنا من إنسانية، لا يفرّقه الساسة المتهورون.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/02/03