ثقافة إلقاء اللوم على الآخرين
منصور الجمري
أحد المظاهر السلبية المنتشرة في منطقتنا يتمحور حول لوم واتِّهام الآخرين عندما يحصل أمرٌ ما، أو أن هناك مؤامرة من قوى خارجية، أو أن التاريخ والظروف هي السبب في حدوث كل ما يحدث من مصائب ومشاكل وأزمات. وهذا الداء ليس مختصّاً بفئة دون أخرى، إذ إن الكثيرين يشتركون في إبعاد أنفسهم عن مسئولية الأحداث ومجرياتها؛ فيُبرِّرون بأنّ الحوادث والمآسي إنما حدثت بسبب مؤامرة خارجية، أو أن تاريخ العلاقات السيئة بين القبائل والطوائف هو السبب، أو أن القضاء والقدر هو السبب.
هذا النمط السلبي في التفكير يُعتبَر الأكثر تدميراً للقدرات؛ لأنّه ينفي المسئولية عن أي شيء، وينقل اللوم على ظروف خارجة عن إرادة الحكومة أو المجتمع أو الجماعة أو الفرد. هذا النمط السلبي يسلب الإنسان احترامه لنفسه وللآخرين، ويجعله يشعر بالعجز عن فعل أي شيء.
التفكير بهذا الأسلوب يؤدّي إلى التهرُّب عن المسئولية، وإلى الإحباط، أو الشعور بالتعاسة، كما إن التمادي في إلقاء اللوم على الآخرين، أو على التاريخ، أو على القضاء والقدر، يقضي على إمكانية الإنسان لتحسين وضعه والخروج من أزماته. إن إلقاء اللوم على الآخرين وإعفاء النفس من المحاسبة وتقبُّل المسئولية يؤدّي في نهاية الأمر إلى سلسلة سلبية تبدأ بانسداد الآفاق أمام الحلول، وإثارة الشكوك والأحقاد، ومن ثم قطع الصلات بين مختلف الأطراف، وبعدها اللجوء إلى القوة أو القمع أو العنف، لتحقيق الغلبة أو لإيذاء الطرف الآخر.
إن الاستماع للآخرين، والاعتراف بالأخطاء، وتحمُّل المسئولية، ربما تُعتبَرُ ثقافة غريبة على منطقتنا، ولكنّها هي الوسيلة التي تتمكن من خلالها الحكومات والمجتمعات المتقدمة من توضيح الأمور بدلاً من تعقيدها، والسير باتجاه حلحلة الأوضاع، وتفعيل وسائل بنّاءة لتسوية النزاعات. والحديث عن تقبُّل المسئولية يتطلب الاقتناع أولاً بأنّ الإنسان مسئول عن أعماله، وأنّه قد يُصيب وقد يُخطئ، بحسب معايير موضوعية، وأنّه يمكن معالجة الأمور من دون الحاجة للتعامل مع الآخرين بصورة مسيئة للكرامة الإنسانية. إن الخروج من الأزمات يتطلّب التخلُّص من هذا النمط السلبي المُدمِّر.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2015/11/26