فلسطين... سياسة المصادرة والحصار
قاسم حسين ..
فلسطين قضية أرض سليبة وشعب أبي، وهي البوصلة التي يجب ألا ينحرف عنها طريق العرب، خصوصاً مع زيادة تدهور الأوضاع والتوسع في المستوطنات وزيادة البطش الإسرائيلي بالفلسطينيين.
القضية تمر اليوم بواحدةٍ من أسوأ المراحل في تاريخها، من حيث التشرذم الداخلي والانفضاض العربي من حولها لصالح التطبيع مع العدو الإسرائيلي، في اللحظة الخطأ، حين بدأ العالم يتعاطف أكثر مع قضية شعب فلسطين ويدين الاستيطان ويقاطع منتجات المستوطنات.
بين فترةٍ وأخرى، تنتشر مقاطع فيديو من الأرض العربية المحتلة، تنقل رسالة إعلامية للخارج، عن صمود هذا الشعب الأبي، على خلاف الانهيار الذي يعانيه المحيط العربي. قبل أشهر تم تداول فيديو أُعدّ في الأرض المحتلة، يعرض فيه المذيع تذاكر سفر إلى «إسرائيل»، على بعض الشباب الصغار، فيرفضون تلقّي التذكرة، ويرفضون الاعتراف بـ»إسرائيل». وبعضهم كان يتكلّم باستهانة بهذا الكيان الاستعماري، وأحدهم أخذ التذكرة ومزّقها، وآخر داسها بحذائه.
ربما الفيديو كان معداً لإحدى القنوات التلفزيونية الفلسطينية، لكنه نجح في إيصال رسالة بواقع الصمود، وأن الرهان يكون على المستقبل. لكن الجديد ما نُشر من فيديو مؤخراً، سجّلته القناة الإسرائيلية الثانية، وكان موجّهاً طبعاً للجمهور الإسرائيلي. والغريب أنه خرج بنفس الرسالة عن صمود الفلسطينيين، وخصوصاً – وهذا هو الأهم- الجيل الجديد من الفلسطينيين.
المقطع المسجّل لا يزيد عن أربع دقائق، وهو مقتَطَعٌ من برنامج أوسع، لكنه محمّلٌ بشحنة كبيرة من المعنويات لكل عربي ربّاه أبوه على حبّ فلسطين. والمذيع يبدأ بسؤال أسرة شهيدٍ نفّذ عملية عسكرية ضد الإسرائيليين، وهي تعيش في أحد مخيمات اللاجئين في أرض أجدادها: كيف معاملة الناس لكم بالمخيم بعد عملية أبيك؟ فيجيب الابن الذي لم يبلغ سن المراهقة: «قدّموا لنا الكثير من الأشياء، وعوّضونا عن الأشياء التي خسرناها». فيعود ليسأله: هل أحدٌ كلّمك عن العملية أنها (مش مليحة)؟ فيردّ الفتى الفلسطيني بلهجته الدارجة: ما فيش هذا، وما فيش حدا راح يحكي هيك. وأنا أؤكد لك.
وعندما يجادله المذيع الإسرائيلي بأن أباه قتل أبرياء... فهل كل الفلسطينيين يدعموا العملية، يردّ بلا ترددٍ مستنكراً: هؤلاء أبرياء؟... هؤلاء شو كانوا يسوّوا في فلسطين؟ مش هم جاءوا لفلسطين واحتلوها؟ يعني هذي سياسة فاشلة، وماراح تؤثر فينا، ولا عمرها راح تؤثر فينا.
يسأله المذيع الإسرائيلي: لما تكبر هل تريد أن تكون دكتور لو مجاهد؟ - دكتور. - مش مجاهد؟ -لا. - حتى لو عملية أبيك رفعت راسكم؟ فيجيبه جواباً مفحماً: لأن المتعلم راح ينفع مجتمعه، وكذلك المجاهد برضه. كان الشاب الصغير الذي لم يخط شاربه بعد، يتكلّم بكل ثقةٍ وإصرار، بما ينمّ عن نضج ورؤية واضحة.
حين يصل إلى المستقبل، يسأل المذيع: في الآخر راح يكون سلام؟ فتتدخل الأم هذه المرة لتجيبه باستخفاف، بما يكشف عن أزمة الكيان الصهيوني: إذا بدكم سووه! فيوجّه كلامه للولد: أنت لا تصدّق؟ يا إحنه يا أنتم؟ فيجيبه: عليكم أن تطلعوا من بلادنا. فيردّ المذيع متحدثاً باسم الإسرائيليين: بس إنت تعرف أن احنه كثار! فيرد الولد الفلسطيني بلا تردد: واحنه كثار!
فلسطين التي راهنت «إسرائيل» على تذويب قضيتها، باستغلال خلافات الفلسطينيين الداخلية وإشغال العرب بحروبهم الأهلية وفتنهم المذهبية، تعود لتقدّم للعالم العربي على لسان أطفالها من الجيل الخامس تحت الاحتلال، وفي زمن الانحدار والانهيار والتطبيع العربي المجاني الشامل... درساً مهماً في المقاومة والصمود.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/02/14