«14 فبراير»: البحرينيون «على الوعد»... برغم «القتل والحصار»
حسن قمبر ..
هو يومٌ ليس كسائر الأيام في الذاكرة البحرينية، أو في تاريخها المعاصر؛ وليس مجرّد رقمٍ عابرٍ في «روزنامة» أشهر السنة؛ بل هو يومٌ نجح البحرينيون في تثبيته في ذاكرة «رأس السلطة»، كالرصاص الذي أطلقته بنادقها على أجساد ورؤوس المحتجين ضد «دكتاتورية حكم القبيلة والاستبداد»، ليصبح هذا الرصاص «شاهد إثباتٍ» على جرائم قتلٍ ترتكبها حكومة البحرين ضد شعبها.
وأصبح «14 فبراير» رقماً مخيفاً خانقاً «لرقبة الحكم» على مدى ست سنوات من عمر الثورة، أكثر من حصاره الخانق على بلدة الدراز منذ ثمانية أشهرٍ تقريباً.
فخلف أسوار «قصر الصافرية» يحتجب حاكم البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، هرباً من سماع شعار «يسقط حمد» من حناجر المتظاهرين، وفي الوقت نفسه تُطبق قوّاته الأمنية والعسكرية بحصارها الخانق وأسلحتها المدجّجة على سائر البلاد، وعلى بلدة الدراز غرب المنامة بشكلٍ خاص، حيث آلاف المعتصمين اجتمعوا منذ حزيران الماضي، حول منزل أكبر مرجعية دينية وسياسية في البحرين والخليج، آية الله الشيخ عيسى قاسم، وهم يهتفون بشعار «بالروح والدم نفديك يا فقيه»، منذ أن أقدمت السلطات على تجريده من جنسيته البحرينية. وكذلك الحال بالنسبة للعمل السياسي هو الآخر محاصراً، بعد إقدام السلطات البحرينية على حل جمعية الوفاق الوطني، كبرى الجمعيات السياسية المعارضة في البلاد.
تعددت مراحل نضال الشعب البحريني في مجابهة استبداد «نظام آل خليفة» بعد غزوهم جزيرة البحرين في العام 1783، إلى أن استتب بهم الأمر حُكّاماً لهذه الجزيرة «بحدِّ السيف وسفك دماء السكان الأصليين»، اللحظة التي أطلقوا عليها «الفتح»، لانطلاقة تاريخية لهويةٍ «مزوّرة»، وبقي الشعب «الخصم الأكبر والشوكة القاتلة في حلق القبيلة ومؤامراتها الدموية».
لقد فجّر مستشار حكومة البحرين السابق، الدكتور صلاح البندر (بريطاني من أصول سودانية) في سبتمبر/ أيلول 2006، أكبر فضيحةٍ لأخطر «مؤامرة رسميةٍ» خطّطتها سلطة آل خليفة، للقضاء على السُّكان الأصليين في البحرين، بقيادة ما يُسمّى «جناح الخوالد»، المعروف بمواقفه المتشدّدة، وبإشرافٍ وتمويلٍ مباشرٍ من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، والذي أمر بمنع نشر كل ما يتعلّق بـ«تقرير البندر» في أي وسيلةٍ إعلاميةٍ محلية، بعد «فضيحةٍ مُدويّةٍ لم تهزَّ شعرة من جرأته على مواجهة الشعب، وكأن شيئاً لم يكن».
الحلول السياسية التي يراها النظام هي لغة الرصاص التي أعدمت ثلاثة نشطاء أخيراً رسم «تقرير البندر» سيناريو أشبه «بدستورٍ» لمسار سياسة «دولة القبيلة»، للعشر سنواتٍ بعد صدوره، لكن شرارة ثورة «14 فبراير» (2011)، سارعت بتنفيذه بوتيرةٍ متسارعةٍ، في نسخةٍ مطابقةٍ لما يجري في الأراضي الفلسطينية على يد الكيان الصهيوني، بإخضاع المواطنين الأصليين لظروفٍ معيشيةٍ تُلحق بهم التدمير الكلّي، بالتجنيس السياسي، والعبث في التركيبة الديموغرافية، وتصفية الشخصيات السياسية بالتهجير أو نزع الهوية، فضلاً التعذيب الجسدي والمعنوي للمعارضين، فقد كان عنوان التقرير «الخيار الديموقراطي وآليات الإقصاء»، وهو بمثابة وثيقة اعترافٍ علنيةٍ مكتوبةٍ من السلطة لهذه المؤامرة السرية.
في مقابل هذه المعركة الوجودية وتحدّياتها، يعود البحرينيون بعد ست سنواتٍ من الصمود في الساحات، لإحياء ذكرى ثورة «14 فبراير» بالشعار الذي أطلقته القوى الثورية «على الوعد»، بعصيانٍ مدني يشلُّ الحركة في كل أرجاء البلاد، إلا من صوت الاحتجاجات الشعبية العارمة ودوي الرصاص ضد المتظاهرين، برغم إدراكهم أنهم يحملون أرواحهم بين كفوفهم. لكن الإصرار يدفعهم لكسر الحصار الأمني والعسكري في كل المناطق، وكما يؤكد قياديٌ رفيع المستوى في ائتلاف شباب ثورة «14 فبراير»، أن البوصلة هذه المرة تتجه نحو «دوار اللؤلؤة»، مركز الاحتجاجات الشعبية في العام 2011، في قلب العاصمة المنامة، والذي تسيطر عليه «قوات الحرس الوطني»، منذ سحق أكبر تجمّعٍ سلمي في تاريخ البحرين، في 16 مارس/ آذار 2011. ولم يكتفِ النظام بسحقهِ وحسب، بل قضى على آفاق الحلول السياسية بغلق أبواب الحوار مع المعارضة، وفضّل بناءَ جدارٍ من العزلة والقطيعة بينه وبين الشعب، وإطلاق رصاصاته على كذبة «الإصلاح السياسي»، الذي يتشدّق بها في كل المناسبات، ويستجدي الدعم السياسي لترويجها، لا سيّما من المملكة المتحدة، مقابل استمرار تشييد مشروع أكبر قاعدةٍ عسكريةٍ بريطانيةٍ في الشرق الأوسط في المنامة، بعد غياب لأكثر من 40 سنةٍ للوجود العسكري البريطاني في الخليج، واستمرار الإحتماء بالوجود الأميركي المتمثل في قاعدة الأسطول البحري الخامس. وأما الحلول السياسية التي يراها النظام الحاكم في البحرين، فهي لغة الرصاص التي أعدمت ثلاثة نشطاء في يناير/ كانون الثاني الماضي، وألحقهم بتصفية ثلاثة آخرين برصاصاته في عرض البحر في التاسع من فبراير الجاري، من دون رحمة وسط صمتٍ مطبقٍ من المجتمع الدولي.
تفوّق النظام البحريني بهذه الممارسات على من سبقه من الأنظمة الدكتاتورية التي أطاحت بها ثوراتٌ شعبية عارمة، سطّرت أروع ملاحم الانتصار، لكنه لا يزال متأخراً في «سباته العميق»، والغفلة عن قدوم ألف يومٍ مماثلٍ للرابع عشر من فبراير، سيكون فيه المشهد نسخة لمن سبقه من الأنظمة لا محالة، طالما استمرّ إصرار الشعب البحريني على تحقيق انتصاره ونيل حريته وحقوقه السياسية برغم رصاصات النظام القاتلة، وبرغم حصاره الخانق، فعلى الباغي تدور الدوائر.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2017/02/15