المطر والبلديات والمستنقعات
قاسم حسين ..
إلى السادة المسئولين في وزارة الأشغال والبلديات والتخطيط العمراني: كيف سيكون شعوركم حين تخرجون من الصباح الباكر لتخوضوا مستنقعاً من الماء للوصول إلى سياراتكم فتغوص أحذيتكم في الوحل، وأنتم في طريقكم إلى مكاتبكم في الوزارة؟
هذا كان حالي وحال مئات المواطنين، صباح أمس الأربعاء، ونحن في طريقنا لتوصيل أبنائنا إلى المدرسة قبل الذهاب للعمل، وكان إلى جانبي سيدةٌ من الجيران، كانت تحمل طفلاً رضيعاً وتقود نحو سيارتها طفلة روضةٍ تجر حقيبتها الثقيلة، وكان عليها أن تخوض في الماء وتغوص هي الأخرى في الوحل.
ليست القصة جديدةً، فهي تتكرّر منذ أربعين عاماً، كلما هطل المطر على البحرين لأيام عدة، فتغرق شوارعها ويشتد الازدحام وتنتشر المستنقعات ويتوالد منها البعوض والحشرات وتنتشر أسراب الذباب. ومادامت المشكلة معروفةً، والأسباب مشخَّصةً، يُفترض أن تسعى الدولة لوضع حلول سليمة لمعالجتها جذريّاً، بدل تكرار السيناريوهات نفسها، والتسبّب في الإشكالات والمعاناة نفسها كل عام.
أمطار هذه السنة بدأت أول مرةٍ قبل أسابيع عدة، ولأنها كانت محدودةً لم تخلّف الكثير من الأضرار، إلا أن الوضع اختلف مع الدفعة الثانية التي بدأت مطلع هذا الأسبوع ومازالت حتى الآن، بينما إدارة الأرصاد الجوية تُنذر باستمرار الأمطار حتى يوم الجمعة المقبل.
الصحافة نشرت شكاوى أهالي بعض المناطق، مثل عالي التي تفتقر إلى نقاط تصريف المياه، حيث طالبوا بها عبر الصحف منذ سنوات من دون جدوى. ومثلها منطقة جبلة حبشي أو سرايا، والأخيرة تفتقر إلى مشروعٍ للصرف الصحي على رغم أنها منطقةٌ حديثةٌ نسبيّاً. وهو ما يطرح السؤال الكبير على الوزارات المعنية كالإسكان والبلديات والأشغال: أين التخطيط؟ وإلى متى تسير وزاراتنا «على البركة»؟ وإلى متى تستمر هذه الطريقة العقيمة التي تؤدي إلى هدر الملايين في علاج الكوارث التي تسبّبها، صحيّاً وبيئيّاً، فضلاً عن هدر الإمكانيات بسبب عدم التخطيط لإنشاء بنية تحتية صلبة، تجنّبنا كل هذا العبث والمعاناة.
بحكم المنطقة السكنية التي أقطنها، (جدعلي بالقرب من خليج توبلي)، اكتشفت أن مشروع الصرف الصحي في المجمع 720 لم ينفذ إلا بعد عشرين عاماً من مطالبة الأهالي، بينما يطالبون في المجمع 721 منذ أكثر من عشر سنوات من دون أن تحرك الوزارة ساكناً، على رغم وعودها المتكررة، وعلى رغم زيارة المسئولين في الوزارة ولقائهم بالأهالي مرةً أو مرتين. والنتيجة كما ترون، حين تهطل كميات متوسطة من الأمطار لأيام عدة، تغرق المنطقة وتنتشر المستنقعات، وتختنق السيارات في الشوارع، والمشوار الذي تقطعه عادةً في 10 دقائق، يستغرقك اليوم 50 دقيقة بالضبط. ويتسبّب ذلك في تأخير آلاف السيارات، من الموظفين والعمال، مواطنين ووافدين، من مختلف الأعمال والشركات والوزارات.
«الوسط» نشرت في عدد أمس، ما خلّفته الأمطار من تجمعات للمياه في الكثير من مناطق البحرين وشوارعها العامة، وشكاوى المواطنين من تعطّل حركة السير وما ينتج عنه من تأخير ومعاناة. والأسوأ من ذلك فيضان شبكات الصرف الصحي وما يسبّبه من تلوث في الشوارع الرئيسية والطرقات الداخلية، حيث أجمع المواطنون على أنها معاناةٌ دائمةٌ، تتكرّر سنويّاً مع موسم الأمطار. والمحظوظون من تصل إليهم صهاريج شفط المياه، أما غيرهم فتتعطّل مصالحهم أياماً عدة، حتى تجفّفها الشمس والرياح.
أحياناً أشعر أن الوزراء وطواقمهم الإدارية الذين نعيش كالرهائن بسبب سياساتهم، يعيشون في عالمٍ آخر، لا تصلهم شكاوى المواطنين، وإذا وصلتهم لا يكترثون بمعاناتهم، ولا يفكّرون بإيجاد حلولٍ لما يسبّبونه للناس من كوارث ومشكلات.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/02/16