رومانيا تكافح الفساد
قاسم حسين ..
واصل مئات الآلاف من الرومانيين التظاهر مطلع هذا الأسبوع في الميادين العامة على رغم إلغاء الحكومة المرسوم الذي يعفي المتهمين بالفساد من الملاحقة القضائية!
المظاهرات بدأت مباشرةً بعد نشر المرسوم القاضي بعدم تجريم سلوك الموظفين الحكوميين التي تقل فيها قيمة الضرر عن 48 ألف دولار، (يعادل 18 ألفاً و144 ديناراً). وقد اجتمع في مساء اليوم نفسه (31 يناير/ كانون الثاني 2016) 15 ألفاً أمام مبنى البرلمان في العاصمة بوخارست، احتجاجاً على هذه الثغرة غير القانونية التي تتيح للفاسدين التلاعب بالمال العام، بتوفير هذا الغطاء للسرقات والاختلاسات.
في 2 فبراير/ شباط، طالب الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس وزارة الداخلية بتقديم «إيضاحات خطية» بشأن حدّة المظاهرات! وادعى أنها اشتدت بسبب تسلل «مستفزين» بين حشود المتظاهرين السلميين، وقال إن الأجهزة الأمنية كانت على علم مسبق باستعداد المستفزين لعرقلة المظاهرات السلمية! ومع ذلك ظلت أعداد المتظاهرين تتزايد على رغم العواصف الثلجية وانخفاض درجات الحرارة، حتى وصلت إلى 500 ألف متظاهر، بينهم عوائل كاملة ورجال دين أرثوذكس، حضروا وهم يحملون الصلبان.
تحت ضغط هذه الاحتجاجات، عقدت الحكومة جلسة طارئة يوم 5 فبراير، وأعلنت إلغاء قرارها، كما وافقت على رفع السرية عن محضر جلسة مجلس الوزراء التي أقر فيها المرسوم. وقال رئيس الوزراء سورين جرينديانو إنه سيلغي المرسوم بناءً على طلب الرئيس (يوهانيس) لأنه لا يريد «انقسام رومانيا».
الانقسام الذي تحدّث عنه يوهانيس كشف وجود كتلتين: الكتلة الشعبية الأكبر التي ثارت لكرامتها وطالبت باحترام القانون وتطبيقه لمحاسبة المفسدين والمتلاعبين بالمال العام، وكتلةٌ أخرى أصغر حجماً، وقفت إلى جانب القرار، من الفئات المستنفعة من الأوضاع، أو الحزبيين المتعصبين، حيث نظّموا مظاهرات مضادة. وبدأ بعضهم بالدفاع عن الفساد بصورة متشنجة، بقولهم إنها مبالغ بسيطة جداً، حتى أنها لا تجلب لك حتى بيتاً صغيراً، أو قطعة أرض 30 في 30، كما لا يجوز مخالفة الأعراف الرومانية العريقة!
المتظاهرون رأوا في ذلك استفزازاً وإهانةً لكرامة الشعب، وعبروا عن خشيتهم من إفلات عشرات المسئولين الفاسدين من السجن، وإيقاف متابعة مئات القضايا ضد آخرين وصدور صكوك براءة جماعية لهم، فأعلنوا أنهم لم يعودوا يثقون بالحكومة التي يقودها الاشتراكيون، وطالبوا باستقالتها، مؤكدين أن الاحتجاجات لن تتوقف حتى تحقيق مطالبهم.
ردّ الفعل جاء سريعاً، حيث أعلن رئيس وزراء رومانيا، في مقابلة تلفزيونية، أن الحكومة يمكن إقالتها فقط «بالتصويت على حجب الثقة عنها»، وهو احتمال غير وارد لسيطرة «الحزب الديمقراطي الاشتراكي» اليساري الحاكم؛ أما الحلّ الآخر فهو أن يستقيل، «وهو أمرٌ لا يمكن أن يحدث بأي حال من الأحوال» كما قال! ورأى أن إلغاء الحكومة لقرارها يعتبر خطوةً كافيةً، وعلى الجمهور الهدوء والعودة إلى منازلهم، وبرّر القرار باكتظاظ السجون! أما المعارضون فطالبوا بضمانات لئلا يفلت السياسيون الفاسدون والمجرمون الخطيرون من السجن، وبالتالي نسف كل الجهود المبذولة لمكافحة الفساد.
رومانيا حكمها الدكتاتور نيكولاي تشاوشيسكو، الأمين العام للحزب الشيوعي، منذ 1965 حتى 1989، حيث أطيح به في ثورة شعبية وأعدم مع زوجته في محاكمة عسكرية سريعة. والتحقت بعد سنوات بالاتحاد الأوروبي بعد قبولها شروط الانضمام، وعلى رأسها مكافحة مظاهر الفساد والرشوة التي استشرت في مفاصل الدولة. وهي تشهد اليوم ثورة جديدة لتقطع الطريق على عودة الفساد والمفسدين بطريقة التفافية مقننة، فترضخ الحكومة ويستقيل وزيران.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/02/17