الوزير المناسب في المكان المناسب.. أين المشكلة إذن؟!
غسان بادكوك ..
لا أعتقد أن هناك وزيراً استبشرنا بتعيينه مثل وزير التعليم معالي الدكتور أحمد العيسى؛ أسباب تفاؤلنا به منطقية وسأذكرها لاحقاً، ويبدو أننا كُنا مُتسرّعين، فرغم أن الـ14 شهراً المنقضية على تعيينه ليست كافية لمعالجة مشاكل تعليمنا، إلا أنها كانت مناسبةً لقيامه (على الأقل) بوضع و(بدء) تنفيذ رؤية شاملة لتطوير التعليم، ورسم الأُطر والسياسات العامة الكفيلة بنقله من واقعه الحالي البائس إلى مستوى يلبّي تطلعاتنا؛ ويحقق طموحات قيادتنا الرشيدة؛ بعد أن انتظرنا طويلاً حدوث نقلة نوعية (تعليمية) لم تأتِ منذ عقود؛ لا سيما أن ترتيب المملكة دولياً هو المرتبة ٥٤ في مستوى جودة التعليم؛ وهي مكانة لا تعكس ما نستحقه أو ما يليق بنا.
والأكيد أن هذا المقال لا يهدف للتقليل من جهود الوزير؛ الذي أكنُّ لشخصه تقديرا كبيرا، إلّا أن انقضاء تلك الفترة بدون أن يُحقق معاليه تقدماً معقولاً لتطوير التعليم هو ما يجعلنا نتساءل عن الأسباب؟، وعمّا إذا كانت هناك مقاومة (خفيّة) ترفض التغيير، أو ربما هناك معوّقات إدارية أو مالية أو حتى (صلاحيّاتية)؛ حالت بين الوزير وبين تطبيق أفكاره الجيدة؛ التي طالما كتب فيها وتحدث عنها قبل أن يُصبح وزيراً؟، وربما كانت من مسوّغات اختياره لهذا المنصب؛ لذلك فإننا نأمل من معاليه الإفصاح عن الأسباب -إن وُجِدَت- حتى نلتمس له العذر، وقد نساعده كـ(إعلام) على تجاوزها، أما لو فضَّل الصمت وتجاهل آراءنا ومطالبنا فسيبقى تعليمنا في كبوته العميقة، وسيخسر الوزير المزيد ممَّن تبقى مِن مؤيديه!.
الرأي السابق لم يأتِ من فراغ بل لغياب أية (إنجازات مهمة) للوزير منذ توليه مسؤولياته؛ إذ انحصرت جهوده في تحرُّكات آنية متناثرة هنا وهناك؛ تفتقر لنظرة إستراتيجية بعيدة، أو حتى لخطة قصيرة المدى، في حين كنا نتوقع أن لا يتأخر كثيراً بعد انقضاء الـ100 يوم الأولى لتعيينه على عقد مؤتمر صحفي؛ يطرح فيه توجُّهاته الجديدة للوزارة، ويُعلن الأهداف، ويضع الأولويات، ولكن مع الأسف لم يحدث ذلك!، بل على العكس؛ كان من (أبرز) ما قام به الوزير هو توجيه سهام نقده لإعلامنا؛ بزعم التسرُّع وحب الإثارة وعدم المصداقية!.
وتوخّيا للموضوعية، فقد أجريتُ بحثاً على النت، خصّصته للبحث في تصريحات الوزير عن تصوُّر (متكامل) لما يعتزم تنفيذه، وللأسف جاءت النتيجة مُخيّبة، إذ وجدتُ بعض التصريحات (الجدلية) والمتناقضة مع بعض قراراته؛ كتصريحه عن وجود فائض في أعداد المعلمين!؛ ذلك لا يعني عدم وجود تصريحات أو مواقف جيدة، كما أنها لا ترقى للتوقُّعات، ولا تعكس السيرة الذاتية الثريّة لمعاليه؛ وهي من أسباب تفاؤلنا به عند تعيينه، ناهيك عن درجته العلمية في المناهج وطرق التعليم من جامعة ولاية بنسلفانيا، إضافة لخبراته المُتخصِّصة والمتنوعة؛ التي تشمل مؤلّفات متميّزة في التدريس وتنمية الموارد البشرية، وشَغْله سابقاً لمناصب مهمة منها مدير عام الدراسات الإستراتيجية بالديوان الملكي، ومستشار (مِسْك)، ومدير جامعة اليمامة، وعميد الكلية التقنية.
المستغرب هو أن تحديات تعليمنا ليست خفيّة بل يلمسها الجميع؛ لذلك فمن المؤسف إضاعة معالي الوزير للمزيد من الوقت في عقد الاجتماعات والإدلاء بالتصريحات، في حين أن ما تحتاجه الوزارة هو تنفيذ أفكاره (المعلنة قبل توزيره)، وتحرُّكه السريع لمواجهة مكامن الخلل الواضحة في نظامنا التعليمي التي من المفيد تذكيره بها وفي مقدمتها:
أ)- بالنسبة للتعليم العام:
1ـ تقوية المناهج العلمية واللغة الإنجليزية.
2ـ رفع مهارات المعلّمين، وتلبية مطالبهم المنطقية.
3ـ تحديث البنية التحتية.
4ـ اعتماد أساليب تعليم تقنية ومتقدمة.
ب)- بالنسبة للتعليم العالي:
1ـ تخفيف مركزية الوزارة مع الجامعات، ومنحها المزيد من الاستقلالية.
2ـ زيادة دورها في البحث العلمي والتطبيقي، ومضاعفة مساهمتها في خدمة المجتمع.
3ـ تعزيز تمايزها وتحجيم تشابهها في التخصصات وضعف المناهج وتواضع تصنيفها الأكاديمي.
4ـ زيادة أعداد خريجي التخصصات العلمية، والحد من التخصصات النظرية.
5ـ نقل المعرفة بالسماح باستقطاب جامعات أجنبية؛ تُسهم في توفير تعليم جامعي بمعايير دولية.
والأكيد أن تطوير تعليمنا لن يكتمل بدون تحقيق أمرين:
1ـ اعتماد الوزير هدفا رئيسيا هو تحسين ترتيب المملكة في جودة التعليم؛ لنكون من بين الدول العشرين الأولى؛ خلال الـ10 سنوات القادمة.
2ـ اهتمام الوزير بالبُعد التربوي عبر ترسيخ المفاهيم الأساسية؛ الضعيفة أو الغائبة حالياً؛ من أهمها التعايش مع الاختلافات، ونبذ التطرف والعنصرية، وغرس مهارات التحليل والتفكير، وتعميق احترام المرأة، وترشيد ثقافة الاستهلاك، وإعلاء إخلاقيات العمل، والالتزام بالقوانين.
لو تم كل ما تقدم، سترتفع تلقائياً جاهزية خرّيجي تعليمنا لسوق العمل وسترفع معها (أسهم) الوزير «مجدداً» في مجتمعنا.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2017/02/18