فكر التطوير الإداري والهيكلة
عيسى الحليان ..
على مدى عقود، استنزفت عمليات الهيكلة الأفقية، قدراً لا يستهان به من فكر المشرع الإداري، وتحديدا لجنة الإصلاح الإداري، واللجنة الوزارية للتنظيم الاداري، واللجنة التحضيرية، وغيرها، وكان ذلك على حساب التشريعات والتنظيمات الأساسية لمختلف القطاعات والمؤسسات العامة والتي تتقاطع معها، وبذلك أخفقت معظم هذه العمليات الجراحية (الهيكلية) في رسم خريطة إدارية برؤى وملامح مؤسسية بعد أن حافظت هذه العمليات المتتالية على الصورة العامة للمؤسسة التقليدية وترسيخها ككيان هش بلا قوام قانوي يشكل حدا أدنى وأساسا لمتطلبات الحوكمة لاحقا، فلو أخذت وزارة كالصناعة مثلا لوجدت أنه عادة ما يصدر تشكيلها مناصفة مع وزارة ما كوزارة التجارة مثلا، ثم تعود لتنفصل عنها في حقبة لاحقة، ثم ما تلبث أن تتم توأمتها مع الكهرباء، ثم يحدث الطلاق معها وتعود الأخيرة إلى المياه، والصناعة من جديد إلى التجارة، ثم يحدث الانفصال الثاني مع التجارة لتعود للالتحاق مع مولود تنظيمي جديد يسمى بالطاقة مضافا إليه الثروة المعدنية وهكذا الحال مع جملة من الوزارات والهيئات، وبعض هذه التموجات الهيكيلة كانت تحدث من دون بعد فلسفي ورؤية إدارية تحكم هذه التغيرات في حين أن مخزون التشريعات والأنظمة الصناعية مثلا والذي يحكم هذا القطاع ظل قاصرا ولا يجاري التحولات التي ظلت تحدث تباعا في سوق الصناعة المحلي أو العالمي.
فنظام الصناعة الأساسي على سبيل المثال مضى عليه أكثر من 50 عاما (صدر في العام 1381) دون أن تمتد له يد هذه الهيئات واللجان، أو تعلم بوجوده ربما، وبالتالي لم يتغير هذا النظام طوال نصف قرن، رغم أنه لم يكن ثمة صناعة أو مصانع تذكر في وقت صدوره إذا استثنينا بعض مصانع الأسمنت القديمة، وعليك أن تتخيل حجم التطورات الصناعية ومتطلبات التنافسية المحلية والخارجية منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.
أذكر الصناعة كمثال فقط، وقس على ذلك بقية الوزارات والقطاعات الأخرى والتي ظلت كل عمليات التطوير والإصلاح الإداري تلامس سطحها الخارجي فحسب، وتتحاشى المس بالجانب المؤسسي أو الغوص في القانوني والتنظيمي لتأخذ عمليات الهيكلة بذلك مسارا أحاديا يتناسى في مساراته المتلازمة وتقاطعاته الحتمية كل النظريات الحية والتجارب القائمة عالميا.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2017/02/19