الجبيل الصناعية تخذلنا
فهيد العديم ..
في الأعوام السابقة لُمنا وعتبنا على كل أُمناء المدن التي غرقت (بشبر مويه)، وبعد ذلك اعتدنا على الغرق الذي أصبح هو القاعدة
المطر أصبح مثالاً جيداً يمكن أن يستعين به أساتذة الأدب لشرح مفهوم الانزياح الدلالي، فقديما كان المطر يرمز للنماء والخصب والحياة، قبل أن ينزاح فتصبح دلالته للغرق - بالمعنى الحرفي لا المجازي الشاعري- ولو عاد السيّاب لكتب: (أنشودة الغرق)، ولأنشد: (عيناكِ ساحتا مدنٍ ساعة الغرق)، وستتعرى قصيدة نزار قباني (رسالة من تحت الماء) من مجازها ومزاجها، وسنتعلم أن (نتنفس تحت الماء) كي (لا نغرق)، وستكتب الصحافة عن مدن ابتلعت الماء وأُصيب سكانها (بدوار اليابسة)، وسنقرأ عن تصريح لأمين تلك المدينة عن أسفه لما حدث وعن سرعة إنجاز حفر آبار لإغراق شوارع المدينة لتصبح (بندقية الشرق) – لاحظ عزيزي الغريق (القارئ سابقاً) أن المسؤول أبدى أسفه، ولم يقل إن منسوب المياه كان قليلاً وهو ما تسبب بعدم الغرق – ولأننا في الأعوام السابقة لُمنا وعتبنا على كل أُمناء المدن التي غرقت (بشبر مويه)، وبعد ذلك اعتدنا على الغرق الذي أصبح هو القاعدة، ولم نكن نحسب أن هناك استثناء قبل أن تفاجئنا (الجبيل الصناعية) بأنها مدينة لا تغرق، كنت أظن السبب يعود لأنها اعتادت أن تنام على كتف البحر مما جعلها تجيد السباحة، لكن جارتها الدمام أيضاً تشاركها مقاسمة البحر، ومع ذلك رددت مع نزار (إني أغرق)!.
ولأننا تساءلنا في السنوات الماضية عن سبب غرق المدن ولم نجد جواباً، لصعوبة السؤال بالتأكيد، أو على الأقل لأن الإجابة تدخل ضمن (ما كل ما يُعرف يُقال)، لهذا فإن الجبيل الصناعية رفعت الحرج وأصبحت إجابة سؤال: لماذا لم تغرق الجبيل الصناعية؟، إجابة هذا السؤال ستدلنا ببساطة على سبب غرق المدن الأخرى، وسترفع الحرج عن أمناء المناطق الذين استهلكوا الحد الائتماني للأعذار، ولن نسأل أين ذهبت مشاريع تصريف السيول، ومشاريع أكبر يبدو اسمها أكثر أهمية (مشروع درء أخطار السيول والأمطار)، وإن كنت شخصياً أفضّل استخدام مصطلح (تصريف) لما له من دلالة مهمة في اللغة المحكية!.
أخشى فعلاً أن لا أحد لديه حل جذري، ولا حلول مؤقتة أيضاً، غير الحل السنوي المعتاد المتمثل في محاولة (تهدئة اللعب) حتى يزول موسم الأمطار، وترتاح الأمانة حتى الموسم القادم، المشكلة أنها تُفاجأ في الموسم القادم بالغرق من جديد قبل أن تجهز عذراً جديدا!، فنحن اعتدنا على الغرق ولم يعد هاجساً، لكننا نطمح أن نتخلص من رتابة التبرير، سيما أن السيد المطر غير متعاون مع الأمانات والبلديات، فهو مثلاً لا يأتي في الصيف عندما يكون الناس في حاجة الماء!، ومع ذلك لا أزال متفائلاً بأن أسمع عذراً جديداً في الموسم القادم، الأهم أن يكون العذر صلاة الاستسقاء!.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/02/20