ترامب... يتحدّى ولا يعتذر!
قاسم حسين ..
مع الشهر الثاني له في الحكم، يبدو الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب كمن يقود شاحنةً كبيرةً بسرعةٍ في طريق وعرة، متسبباً في إثارة الكثير من الغبار للركاب والمارة، من دون أن يكون مستعداً لتخفيف السرعة أو التفكير بالاعتذار.
في الشهر الأول، أقيل اثنان من المسئولين الكبار في إدارته الجديدة، الأولى وكيلة وزيرة العدل سالي ييتس، التي اتهمها بالخيانة لأنها رفضت قراره بمنع السفر من سبع دول إسلامية والمهاجرين السوريين من دخول الأراضي الأميركية، وأتبعها بعد ساعةٍ واحدةٍ فقط، بإقالة المسئول بالوكالة عن إدارة الهجرة والجمارك دانيال راغسديل.
أما المسئول الثاني فهو مستشار الأمن القومي مايكل فلين، بعد اتهامات له بتضليل المسئولين حول حقيقة اتصالاته مع السفير الروسي بشأن رفع العقوبات الأميركية ضد بلاده قبل تولي ترامب. هذا الوضع وصفته الصحافة الأميركية بالفوضى، إلا أن ترامب أصرّ في آخر تصريحاته، على أنه إنما «ورث فوضى كبيرة»... وأردف قائلاً: «إن البيت الأبيض يعمل الآن بشكل سلس... صدّقوني»!
اليوم يكمل ترامب خمسة أسابيع له في البيت الأبيض، وعلى رغم محاولته الإصرار على العديد من الأمور، ومحاولته فتح العديد من الجبهات، إلا أنه جاء خلال هذه الفترة أيضاً بالعديد من المفاجآت، واعتُبر بعضها نوعاً من التراجعات.
الحدث الأبرز خلال هذه الفترة، العلاقة المتوترة جداً مع الصحافة ورجال الإعلام، فالصحف الكبرى ومنذ البداية، لم تكن تحمل له أي قدر من الود أو الاعتبار، وكان يبادلها الكثير من مشاعر الكراهية والاحتقار. وربما يكون هو الرئيس الأميركي الوحيد الذي يقدّم نموذجاً متفرداً في العداء لوسائل الإعلام، في بلدٍ يتولّى الإعلام والمال، صناعة النجوم في السياسة والفن والرياضة والشأن العام.
ترامب اعتمد على أمواله الخاصة في الوصول للرئاسة، بفارقٍ كبيرٍ عمّا أنفقته منافسته هيلاري كلينتون بالاعتماد على الشركات وبيوتات المال. كما وصل إلى الرئاسة وهو في حالة إعلان حربٍ على وسائل الإعلام، التي انحازت أغلبها إلى جانب كلينتون، وهو السبب وراء الصدمة التي خلّفها فوزه، على خلاف أغلب ما أشاعته من توقعات.
اليوم، تبدو المعركة بين ترامب ووسائل الإعلام عملية تصفية حسابات، فهو يصف الإعلام بأنه ليس عدوه شخصياً، بل «عدو الشعب الأميركي»، وهو أمرٌ لا يمكن إثباته إلا في حالة إثبات ذلك في عهد جورج بوش أو بيل كلينتون أو جيمي كارتر. وتردّ الصحافة بأن ترامب «مشروع دكتاتور»، وهو أمرٌ يصعب تخيّله، في بلدٍ انتخب شعبه ترامب بنسبة كبيرة، في ظل منافسة حامية، ورقابة شعبية ونصوص دستورية. فهي لا تزيد على معركة تصفية حسابات.
هذه المعركة ستستمر طويلاً كما يبدو، لأن قائمة الخلافات بين الطرفين طويلة، فهو يصف وسائل الإعلام بالكاذبة والفاشلة، ورجالها بالمنحازين وغير النزيهين، وهي تصفه بالأحمق والمغرور.
العالم بحاجةٍ شديدةٍ لمتابعة فصول هذه المعركة المفتوحة، التي تقدّم دروساً مفيدة، وخصوصاً للدول غير الديمقراطية، في كيفية إدارة الخلافات والتعايش بين الأفكار المتناقضة والرؤى المتصادمة، ومن ناحية أخرى تكشف للعالم ما يعاني منه هذا النظام الديمقراطي العريق من ثغرات وأمراض.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/02/24