عبدالرحمن سعد العرابي ..
نعم، هي هكذا لم يعدْ أمامَ حاملي الشهاداتِ الجامعيةِ والعليا سوى الاستجداءِ ،عسى ولعل أن يحظوا بوظائفَ تليقُ بتخصصاتِهم وشهاداتِهم التي سهروا وتعبُوا في الحصولِ عليها ،وما استثمره الوطنُ فيهم من مبالغَ طائلةٍ لتأهيلِهم.

غير أنَّ المؤسفَ أن المسؤولين التنفيذيين والمخططين المسؤولين عن هكذا إشكالية ليس في بالِهم إيجادُ حلولٍ لها.

كتب زملاءٌ عديدون منهم الأساتذة إبراهيم نسيب وفالح الصغير عن إشكاليةِ عدمِ توفُّرِ وظائفَ ، وهو ما يدفعُ حاملي الشهاداتِ العليا إلى بيعِ شاورما، كما في فتاةِ الزميلِ فالح، أو شاهي على الجمر كما في حالاتٍ عدةٍ. وحتى لا يتفذلكَ أحدُ المنظِّرين المترصِّدين لكل قولٍ وطنيٍّ خالصٍ، ويقولَ ويبررَ -كما هي العادةُ-بأنَّ هذه حالاتٌ نادرةٌ وشاذةٌ وفرديةٌ، أقولُ بملءِ الفمِ وكاملِ الوثائقِ إنَّ حالةَ فتاةِ الشاورما والتي تحملُ الماجستير في تخصصٍ نادرٍ «تقنية النانو» ليست الحالةَ الوحيدةَ بل مثلُها الآلافُ، ويكفي التلفُّتُ حول هذه الأسرةِ وذاك البيتِ وتلك الحارةِ لتجدَ بطالةً مخيفةً بين شبابٍ وشاباتٍ أفنوا زهرةَ أعمارِهم في قاعاتِ الدرسِ، وبعضُهم في جامعاتٍ خارجيةٍ، ولي أنا قريباتٌ يحملنَ درجاتٍ عليا في تخصصاتٍ نادرةٍ من جامعاتٍ أستراليةٍ لم يجدنَ وظائفَ.

إحداهن تحملُ الماجستير في الفيزياء الطبيَّةِ، والتي تُستخدمُ في الطبِ النووي وعلى أجهزةٍ دقيقةٍ وغاليةِ الثمنِ ،ورغم معدلِها الدراسيِّ العالي «امتياز» واجتيازِها كلَّ الدوراتِ والتدريباتِ والاختباراتِ الخاصةِ بالهيئةِ الصحيةِ السعوديةِ، لم تجدْ لها مكاناً لا في جامعاتِنا ولا في الكلياتِ الطبيةِ ولا في المستشفياتِ والمراكزِ الطبيةِ الحكوميةِ والأهليةِ. ومثلُها شقيقتُها التي تحملُ الماجستير في إدارةِ الأعمالِ تخصص تجارة إلكترونية دولية وبمعدل دراسي عالٍ «امتياز»، ووصلتْ إلى كتابةِ رسالةِ الدكتوراة في الولايات المتحدة الأمريكية، فلم تتركْ مكاناً إلا وبحثتْ عن وظيفةٍ، والإجاباتُ الدائمةُ، «آسفين»، أو «سوف نتصل بكِ».

هذه شواهدُ حيةٌ ومعاشةٌ، وهي على اتساعِها تشكِّلُ هاجساً للأسرِ وأبنائِها وبناتِها ،كما أنها لو استمرتْ بذاتِ الوتيرةِ فسوف تُشكِّلُ خطراً مستقبلياً على المجتمعِ بأسْرِه، وهو ما يستدعي العملَ الجادَ والصادقَ من كلِّ الجهاتِ المسؤولةِ ،وزاراتِ الخدمةِ والعملِ والصحةِ والتجارةِ والتعليمِ لإيجاد حلولٍ عاجلةٍ وفوريةٍ للقضاءِ عليها، وتوفيرِ فرصِ عملٍ ووظائفَ في وطنٍ يعملُ فيه قرابةُ العشرةِ ملايين وافدٍ، بعيداً عن التنظيرِ والفذلكةِ ونكرانِ الواقع !.

صحيفة المدينة