غرق الرياض وجدة وبريدة.. التشهير هو الحل!
محمد العوفي
الحديث عن الفساد بشقيه المالي والإداري لا ينتهي، لكن الأمطار الأخيرة فتحت شهية الحديث عنه بشيء من الألم والحسرة، فمن غير المعقول أن تغرق مدن كبرى كالرياض وجدة وبريدة وغيرها في أمطار لا يتجاوز منسوبها 70 ملم مكعبا، وفي المقابل تجد دولا مثل سنغافورة ومدنا أوروبية لا يتوقف المطر عنها ليلا ونهارا، ويمضي المطر وتبقى شوارعها خالية من المياه الراكدة.
لكن الجديد في موضوع الأمطار الأخيرة أن المواطنين ملوا من الشكوى والتذمر والحديث عن الفساد في مشاريع تصريف مياه السيول والأمطار وغيرها من المشاريع، وأصابهم تبلد في الإحساس، وحولوها إلى مادة للتندر والتشفي والنكت في وسائل الإعلام الجديد، فمجموعة كبيرة من مقاطع الفيديو وسناب شات وغيرها سواء كانت واقعية أو مبالغا فيها تعطي إشارة واضحة أن المواطن مل الشكوى، وبدأ يفقد الثقة تدريجيا في كثير من المشاريع التي تنفذها الشركات الوطنية.
وفيما يتعلق بردود وإجابة بعض المسؤولين، توقفت طويلا أمامها محاولا استيعابها، لكنها كانت فوق مستوى استيعابي لغرابتها وعدم واقعيتها، فبعض هذه الردود والتصريحات اتهمت المطر بأنه السبب فيما حدث للمدن الكبرى، لأنه جاء بنسبة أكبر من توقعات مسؤولي ومهندسي الأمانات والبلديات ووزارة النقل، واللوم يقع عليه فقط، لأنه أتى خلاف توقعاتهم، والسبب أن معظم المسؤولين درسوا في الجغرافيا أننا دولة ذات مناخ صحراوي قاري، وحفظوا ذلك في العقل الباطن، ولم يفكروا في احتمالية تبدل هذا المناخ في المستقبل، واستدعوا ذلك عندما بدؤوا يخططون وينفذون مشاريعنا، سواء مشاريع الشوارع والطرق الرئيسة وتصريف مياه السيول أو غيرها من المشاريع، ولم يراعوا تغير العوامل الديموجرافية مثل النمو السكاني، أو العوامل الجغرافية مثل تغير المناخ، وتبدل مناخ الجزيرة العربية، ويرون أن ذلك من الغيبيات التي لا يجب الحديث عنها أو الأخذ بها في الاعتبار عند بناء المشاريع أو تخطيط المدن.
المهم أن المطر في أقل من ساعة كشف ما لم يكشفه مهندس البلدية أو الأمانة أو النقل، وفضح رداءة المشاريع أو ضيق أفق وتفكير مخططيها ومنفذيها أو فسادهم، وجميع هذه الثلاثة تصب في بحر الفساد.. غياب الأمانة في التنفيذ، والأمن من العقوبة الذي أغرق كبرى المدن السعودية دون الصغرى. والمصيبة الكبرى أن معظم هذه المشاريع منفذة من قبل شركات وطنية، وهذه الشركات تعلم جيدا أنها فازت في المشروع بقيمة أعلى بنحو 40% أو أكثر من القيمة الحقيقية للمشروع، وأن الحكومة قادرة على أن تأتي بشركات أجنبية لتنفيذ هذه المشاريع، لكنها منحتها الأولوية من باب الدعم للشركات الوطنية، وليتها كانت على قدر المسؤولية، ونفذتها كما يجب.
وهذا لا يعفي الأمانات والبلدية ووزارة النقل من المسؤولية، فهي تعد شريكة ومتهمة في هذا الجرم في حق الوطن والمواطن، لأنها وافقت على استلام المشروع، ومنحت المقاول مستخلصا نهائيا بأن المشروع مطابق للمواصفات والمقاييس المتفق عليها في العقد.
المهم أن ما حدث لا يتناسب مع حجم الإنفاق الحكومي الكبير على هذه المشاريع بما يفوق مثيلاته في كثير من دول العالم، ومع ذلك تغرق الرياض وجدة وبريدة في كمية أمطار تتراوح بين 30 و70 ملم مكعبا.
خلاصة القول أن فتح ملفات المشاريع الرديئة والسيئة والمتعثرة في الأمانات والبلديات ووزارة النقل وكل من له علاقة بهذه المشاريع، هو الحل الذي يمكن أن نقضي به على الفساد، وسيكشف كثيرا من قضايا الفساد التي لا تخطر على بال أحد، وسيضع الأمانات والبلديات والنقل تحت طائلة التحقيق، لأنها وافقت على استلام المشروع، ومنحت المقاول مستخلصا نهائيا بأن المشروع مطابق للمواصفات والمقاييس المتفق عليها في العقد.
وأعتقد يقينا أن عقوبة التشهير التي نتهرب من تطبيقها على الفساد والمفسدين، سواء كانوا شخصيات طبيعية كالأفراد «سواء أكان أحدهم موظفا حكوميا أو خاصا»، أو شخصيات اعتبارية كالمؤسسات أو الشركات، هي الحل الوحيد الذي سيقضي على الفساد بشقيه المالي والإداري. والتشهير كما قلت سابقا هو عقوبة رادعة وزاجرة مقارنة بالعقوبات التقليدية لارتباطه بالاسم والسمعة، سواء الشخصية أو الاعتبارية التي تقبل كل شيء إلا التشهير بها في مجتمع تمثل السمعة فيه كل شيء.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2015/12/01