لا يوجد عاقل يصدّقكم حتى وإن أقسمتم بالله!
هاني الفردان ..
أهم ما في جلسة مجلس النواب الماضية (الثلثاء 7 مارس/ آذار 2017) هو ذلك القسَم الذي أطلقه وهدد به رئيس لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس النواب، عبدالرحمن بوعلي، باستجواب وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة، متهماً إياه بالموافقة على إنشاء مشاريع وتنفيذها وهي لم تكن مدرجة ضمن موازنة العامين (2015 - 2016).
بوعلي أقسم بالله بأن يستجوب الوزير قائلاً «قسم بالله إذا كان الوزير هو من وقع الاتفاقيات ووافق على إنشاء هذه المشاريع، فسيكون أول استجواب له من قبلي».
ذلك القسم باستجواب وزير المالية متعلق بما قاله بوعلي عن أن «أكثر من 80 في المئة من المشاريع التي تم اعتمادها في 2015 و2016 لم يتم إنجازها ولم يتم العمل بها، وعددها 150 مشروعاً، إنما تم إنجاز مشاريع لم تعتمد لها ميزانية في العامين المذكورين، وهذا يخالف قانون الميزانية العامة».
اتهام «السلطة التنفيذية بالاستهتار وتجاوز القانون» يتطلب أدوات دستورية شديدة وحاسمة وقادرة على حسم المواقف وإرجاع الأمور إلى نصابها، ووقف ذلك «الاستهتار»، حتى وإن لم يكن وزير المالية هو المعني، بالتأكيد هناك وزير آخر معني أو مسئول عن ذلك «الاستهتار»، الذي تحدث عنه النائب.
ليس مبالغة، بل أصبح الأمر حقيقة يسلّم بها جميع شعب البحرين بمن فيهم النواب أنفسهم، بـ «عجز» مجلس النواب عن استجواب أي وزير، في ظل اللائحة الداخلية المعدّلة للمجلس والتي تتطلب موافقة ثلثي أعضاء المجلس على أي طلب من هذا النوع.
لن نذهب بعيداً، ففي يناير/ كانون الثاني 2016 كان جمهور غفير من الشارع البحريني يترقب نتيجة وعيد بعض النواب، بـ «إسقاط وزيرين»، إثر قرار الحكومة رفع أسعار البنزين، ودخوله حيز التنفيذ دون علم مجلس النواب أو حتى التنسيق معه! حتى ذهب منسق استجوابي وزيري المالية والطاقة النائب أحمد قراطة لتأكيد أن «النواب عازمون على طرح الثقة في الوزيرين ما لم تتراجع الحكومة عن قرارها برفع أسعار البنزين»، ومع ذلك سقط الاستجواب سريعاً، وكان أسرع منه قرار رفع أسعار البنزين، فيما وقف النواب يتفرّجون!
ربما وزير المالية كان أكثر وزيراً مهدداً بالاستجواب من قبل مجلس النواب الحالي، ولكن كل تلك المحاولات كانت «فاشلة» وسقطت سريعاً، من أهمها «استجواب أبريل/ نيسان 2014»، والذي أسقطه 21 صوتاً نيابياً في مقابل 16 صوتاً، في جلسة (8 أبريل/ نيسان 2014)، وذلك بعد تفسير هيئة التشريع والإفتاء القانوني للمادة (80) من الدستور، والذي أفتى بإعادة التصويت على جدية استجواب وزير المالية، بعد أن كان مجلس النواب صوت في (11 مارس/ آذار 2014) على الموافقة على استجواب وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة، ورفض 15 نائباً توصية لجنة نيابية مختصة، كانت قد أوصت برفض الاستجواب لعدم جديته.
في تاريخ طلبات الاستجواب للنواب الحاليين، فإن أضعف وزير في الحكومة عجزوا عن استجوابه، وذلك بعد أن أسقط 9 نواب امتنعوا عن التصويت في (5 مايو/ أيار 2015) طلباً تقدم به 26 نائباً لاستجواب وزير الصحة السابق، على رغم توصية لجنة نيابية شكلت من رؤساء لجان ونوابهم، بجدية استجواب وزير الصحة؛ لأنه لم يحز 27 صوتاً لازماً للإقرار بجديته، وهو الحد الأدنى للقبول باستجواب أي وزير في الحكومة البحرينية!
حقيقة ما يحدث في مجلس النواب، هو علمهم علم اليقين بأن أي استجواب سيتقدمون به سيسقط لا محالة، ومع ذلك يخرج أحدهم ويقسم بالله أنه سيستجوب وزيراً ليس عادياً، بل هو وزير المالية، وذات النائب لم يجب على سؤال منطقي لنائب «مخضرم» معه، مفاده أن «نواب 2014» عجزوا عن استجواب وزير الصحة السابق، فهل بإمكانهم مثلاً استجواب وزراء وزارات سيادية، أو حتى وزراء آخرين؟
الشارع العام البحريني، أصبح واعياً وفاهماً لما يحدث داخل قبة مجلس النواب من صراخ وتهديد ووعيد، وأصبح مدركاً لتلك الحقيقة، وهو أن كل ذلك ما هو إلا بهرجة «إعلامية» أصبحت مكشوفة ويدركها الجميع، بل أصبحت مضحكة جداً.
وكما قلناها من قبل، نتمنى من بعض أعضاء مجلس النواب أن لا يجعلوا من أنفسهم أضحوكةً لدى جماهيرهم، فالناس باتت تستمتع بقراءة نكات بعض النواب، وتنشدّ لصراخهم وبكائهم وحتى تهديداتهم، في ظل معرفة الجميع سواء نواباً أو شعباً بإمكانيات «نواب» عاجزين وضعفاء، عن فعل أي شيء أو حتى محاسبة «فراش» وزارة، وليس استجواب وزير، فلا تطرحوا الموضوع مجدّداً ورحم الله امرئاً عرف قدر نفسه وحدود قدرته، فلا يوجد عاقل يمكن أن يصدق قسم استجواب أي وزير.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/03/11