تقرير الخارجية الأميركية لحقوق الإنسان في عهد مختلف
عبدالنبي العكري ..
يسود الترقب في العالم بانتظار إطلاق وزارة الخارجية الأميركية تقريرها السنوي بشأن أوضاع حقوق الإنسان في غالبية دول العالم. وما يعطي تقرير هذا العام رقم 41 أهمية استثنائية هو إصداره في عهد الرئيس الجديد المثير للجدل دونالد ترامب على رغم أن إعداد التقرير تم في عهد الرئيس الليبرالي السابق باراك أوباما.
صدر تقرير هذا العام والذي أطلق في وزارة الخارجية الأميركية يوم الجمعة (3 مارس/ آذار 2017) ويغطي العام 2016، وليس من قبل وزير الخارجية تيلارسون كما جرت العادة، بل من قبل مسئول كبير (السيدة تيفاني)، وهو ما طرح عدة تساؤلات بشأن مدى جدية الإدارة الأميركية الجديدة بتبني ما جاء في التقرير، والتزامها بحقوق الإنسان كمكون أساسي في السياسة الخارجية الأميركية.
وقد انتقد كينيث روث الرئيس التنفيذي لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights watch) عدم إطلاق وزير الخارجية للتقرير وكأنه يرسل رسالة فحواها إبعاد نفسه ووزارته عن التقرير، وقد ترأست فريق وضع التقرير لعام 2016 السيدة تيفاني والتي أجابت على أسئلة الصحافيين، وفي حفل إطلاق التقرير ذكر المتحدث باسم الخارجية أن التقرير لا يستهدف تصنيفاً للبلدان من حيث مدى احترامها أو انتهاكها لحقوق الإنسان سواء كانت المملكة المتحدة أو كوريا الديمقراطية مثلاً، بل يسرد الوقائع بموضوعية وعلى القارئ أن يتوصل للاستنتاجات.
لكن المتحدث باسم الخارجية الأميركية حذر بأن التقرير لا يمثل حكماً للإدارة الأميركية تجاه أي بلد انطلاقاً من أوضاع حقوق الإنسان أو يمثل مرجعية لسياستها الخارجية تجاه أي بلد. وهو نذير خطر من أن يتحول التقرير إلى مجرد تقرير سردي للعلم والخبر. وبالنسبة لأهم الانتهاكات على النطاق العالمي، ذكر المتحدث توجه الأطراف المعنيين سواء الدولة أو غير الدولة بتضييق الخناق على المجتمع المدني، والحد من حرية الصحافة و»الميديا»، وقمع المعارضين، وفي حالات أسوأ قتلهم، وفي عدد من البلدان يتم مصادرة الدولة للحقوق الأساسية في التعبير والتنظيم باستخدام وسائل مستترة مثل السيطرة على الحياة السياسية، أو الحد أو حتى منع نشاط المعارضة السياسية، أو استخدام متطلبات بيروقراطية للحد من فاعلية المجتمع المدني.
وذكر المتحدث (السيدة تيفاني) والتي عملت في الخارجية الأميركية سواء في واشنطن أو في الخارج طوال 25 عاماً أنه كان لها علاقة مع المجتمع المدني والنشطاء الحقوقيين والذين يسعون لتقدم بلدانهم وشعوبهم، وأنهم يستمدون العزم من هذا التقرير وغيره والمواقف الأميركية المساندة.
وفي الحوار الذي تلا تقديم التقرير، طرحت الكثير من الأسئلة والهواجس المحقة، ومنها غياب وزير الخارجية تيلارسون لأول مرة في تاريخ إطلاق التقرير لعدة عقود، وقد رد المتحدث مستعيداً تصريحات تيلارسون بشأن التزام أميركا بحقوق الإنسان، والتأكيد على أن الولايات المتحدة، مستندة لهذا التقرير ستتبع سياسة التحييد (advocacy) لدى الحكومات الأجنبية والمنظمات الدولية لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان، ومساعدة الضحايا، وقد تكررت أسئلة الصحافيين بشأن مغزى غياب وزير الخارجية تيلارسون، وتكررت معها التبريرات وإعادة مقاطع لوزير الخارجية خلال جلسات الكونغرس لتثبيته في منصبه، وكذلك ما كتبه في مقدمة التقرير من تأكيد على قيم الحقوق والديمقراطية والحاكمية والشفافية التي تلتزم بها أميركا في سياساتها الخارجية وكعناصر مهمة للأمن القومي الأميركي.
أما تقييم وزارة الخارجية الحالي فهو خلافاً لتقييمها في عهد وزير الخارجية السابق كيري، والذي وصف لدى إطلاق التقرير في العام الماضي بأن وضع حقوق الإنسان يزداد سوءاً بشكل عام، وخصوصاً ما يتعلق بالحكم السيء، في حين ترى الخارجية الحالية أن الوضع على حاله، فهناك تقدم لحقوق الإنسان في الأنظمة الديمقراطية، وتتدهور في الأنظمة الاستبدادية. وعلى رغم أن المتحدثة تيفاني حاولت تجنب ذكر بلدان بعينها تنتهك بخطورة حقوق الإنسان، إلا أنها أجابت على سؤال بشأن الفلبين، فذكرت أن التطور الخطر في انتهاكات حقوق الإنسان هو اللجوء إلى عصابات مرتبطة بالأجهزة السرية (Vigilante) لتصفية المتاجرين والمدمنين على المخدرات.
ومرة أخرى ورداً على سؤال عما إذا كان وزير الخارجية تيلارسون سيقدم التقرير بنفسه إلى الكونغرس ويتحدث أمامه، أكدت المتحدثة أن الأرجح أن الوزير سيكلف موظفيه بتقديمه، ومناقشته أمام الكونغرس وليس هو بالذات. وقد رفضت المتحدثة رداً على سؤال بشأن اقتطاعات متوقعة من ميزانية الخارجية في مجال حقوق الإنسان، التكهن بما سيحدث.
يبدو أن المؤتمر الصحافي لإطلاق التقرير لا يبشر بالخير فيما يتعلق بحقوق الإنسان في ظل إدارة ترامب.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/03/11