المعززون الجدد والتأجير المنتهي بالتمليك!
عبدالله المزهر ..
الهبة الإلهية العظمى ـ وكل نعم الله عظيمة ـ لبني آدم هي العقل، والعقل هنا ليس المقصود به المادة الهلامية الموجودة داخل الجمجمة، فهذه موجودة لدى الإنسان والبهيمة وربما سائر المخلوقات ولها مهامها التي تدير شؤون سائر الجسد.
لكن المراد هنا هو التفكير والتفكر والتدبر والتأمل والاستنتاج وسائر أعمال العقل التي يتميز بها البشر عن غيرهم من المخلوقات.
والذي يخشى استخدام عقله، ويرعبه التفكير يكون في نقطة أقرب إلى الكائنات الأخرى منه إلى أن يكون إنسانا، وكلما زاد هذا الخوف ابتعد أكثر.
وأكثر من ذلك أن الذي لا يتدبر ولا يعقل أضل من الأنعام وليس فقط في مستواها العقلي (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا).
ولعل المعززين الجدد الذين ينتشرون في كل زاوية لا شعار لهم إلا «معهم معهم عليهم عليهم» هم من أوضح الأدلة على وجود الكائنات البشرية التي تجد مشقة في التفكير، وترى في التدبر إرهاقا لا طاقة لهم به، ولذلك يلجؤون إلى الحل الأسهل والذي يعتبرونه استثمارا دنيويا ودينيا، وهو تأجير هذا العقل للآخرين ليفكروا نيابة عنهم ويقرروا نيابة عنهم، ويخبروهم بالصواب والخطأ، وهؤلاء المؤجرون في سبيل هذا الاستثمار مستعدون لتعطيل جوارحهم إن لزم الأمر، فيكذبون ما تراه أعينهم إن كذبه المستأجر، ويغالطون ما تسمعهم آذانهم إن لم يكن ذلك في صالح المستأجر. وقد يكون ذلك من باب أن «الزبون دائما على حق».
وعلى أي حال..
يقال على سبيل التحفيز والتبشير بظهور الحقيقة «يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت»، وهي عبارة جميلة وجذابة، لكن الحقيقة أن هناك من يخدع كل الناس كل الوقت، وأموره تسير وفق ما يرام، ولا بوادر تشير إلى أن اكتشاف الحقيقة سيغير في الأمر شيئا، فعقود تأجير العقول يبدو أنها منتهية بالتمليك.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/03/13