المهانة الحقيقية دفع الناس للحاجة وذُل السؤال!
غسان بادكوك ..
وأفاني العديد من الزملاء والأصدقاء بمقال (جدلي) بهدف معرفة رأيي فيه؛ باعتباري مهتماً بتعديل المادة (77) من نظام العمل، المقال حمل وجهة نظر (مستغربة) كونها صدرت من أحد (روّاد) الأعمال السعوديين، حول قضية أضرّت كثيراً بمعيشة شريحة عريضة من المواطنين؛ هي فصل الموظفين السعوديين؛ بدون سبب مشروع، المقال تحدّث باسم التجار، ونُشِر تحت عنوان لافِت هو (كفانا مهانة)!، أمّا كاتبه فهو رجل الأعمال المعروف والأستاذ الكبير سناً ومقاماً؛ أحمد حسن فتيحي.
وللوهلة الأولى فقد تصورتُ أن الكاتب الرصين، سينصح أقرانه من رجال الأعمال بالتريث في عمليات الفصل التعسفي، لما يترتّب عليها من مخاطر كبيرة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، وربما الأمني أيضاً؛ وهي مخاطر لا تخفى على مخضرم مثله، خصوصا في مثل هذا التوقيت الذي تشح فيه فرص العمل أمام شبابنا، ولكنني فوجئت به مدافعاً عمّا اعتبره (حق التجار) في فصل موظفيهم السعوديين؛ بدون مبررات!، ولا حتى بمحاولتهم جعل الفصل آخر الحلول؛ وليس أولها!.
ومع احترامي لحق الكاتب في تبنّي وجهات النظر التي يؤمن بها بشأن المادة (77)، إلا أنني أختلف مع موقفه الذي اتهم فيه الكُتّاب الذين يتبنُّون آراءً مخالفة لرأيه، بأنهم «يتعرّضون لسمعة رجال الأعمال!؛ كي يكسبوا المزيد من الانتشار والشعبية عند قرائهم!»؛ وباعتباري أحد أولئك الكُتّاب (المُتّهمين)، فإنني أؤكد للأستاذ أحمد بأن آراءنا تصب في مصلحة التجار قبل غيرهم، كونهم لن يجدوا زبائن لمنتجاتهم وخدماتهم؛ لو استمرت عمليات الفصل التعسفي.
وبدون شك، فإنني وغيري من كُتّاب الرأي نتفهّم المصاعب التي يواجهها قطاع الأعمال بسبب التباطؤ الاقتصادي الملحوظ الذي أدّى لتراجع الحركة التجارية وانخفاض المبيعات، ولكننا ندرك أن هذا القطاع تمتّع طويلا بالدعم الحكومي؛ ولا يزال ينعم بالعديد من الامتيازات التي لم يتأثر بعضها حتى الآن، ومن أبرزها عدم اضطرارهم لدفع ضرائب، واستمرار حصولهم على تأشيرات العمالة الوافدة التي تزدحم بها أقسام شركاتهم ومؤسساتهم، مع بقاء ميزة احتكارهم للكثير من السلع، وعدم تقييد استثماراتهم الخارجية.
من جانب آخر، فإنه يتعين على رجال أعمالنا أن يدركوا بأن النجاحات الكبرى التي حققتها كبريات كياناتهم التجارية لم تكن لتتحقق بنفس القدر، ولا أن تُثمِر عن ثرواتهم الضخمة، في معزل عن البيئة المواتية التي وفرّتها الدولة لهم، أو عن جهود موظفيهم السعوديين الذين تتم حاليا التضحية بهم بسبب ظرف مالي تمر به بلادنا، كما لا بد أن يقبلوا بأرباح أقل ويعلموا أن تفاقم البطالة وزيادة الفقر وتناقص شريحة متوسطي الدخل، ليست هي البنية الاجتماعية التي يحتاجونها لنمو أعمالهم وازدهارها.
أمّا الحديث عن حق التجار في فصل الموظفين تعسفيا بـ(زعم) أن القوانين تسمح لهم بذلك، فهو قول مردود؛ لأن الأنظمة ليست تشريعاً مُنزّلاً، وقد تشوبها بعص الأخطاء غير المقصودة، لذلك يتعين المسارعة لإصلاحها من قبل المؤسسات التشريعية؛ متى ثبُت خلل بعض موادها النظامية، وتأثيرها على استقرار المجتمع، كما ينبغي أن لا ننسى أننا نتحدث هنا عن (مواطنين) مفصولين أو سيصبحون كذلك قريباً؛ عليهم التزامات مالية واجتماعية عديدة، لا سبيل أمامهم للوفاء بها، سوى باستمرارهم في وظائفهم «داخل بلادهم».
كما أود التذكير بأن خطورة استمرار تسريح السعوديين من أعمالهم؛ بدون سبب مشروع، هو ما جعل مجلس الشورى يتفاعل مشكوراً مع المطلب الشعبي الداعي لإعادة النظر في نظام العمل، ويستضيف أخيراً وللمرة الأولى لقاءً مهماً (كان لي شرف حضوره)، وجمع فيه بين قيادات المجلس، وبعض المواطنين الذين تقدموا بعرائض حول الصعوبات التي تواجه موظفي القطاع الخاص، حدث ذلك أخيراً رغم أن نظام الشورى يُجيز له عقد مثل تلك اللقاءات منذ دورته الأولى، ولكنه استشعر أهمية ذلك الآن.
وعليه، أتقدم إلى مجلس الشورى مستفسراً عن مستجدات تعديل المادة (77) على نحو يعيد التوازن المفقود بين مصالح طرفي العلاقة التعاقدية؛ خصوصاً وقد مر نحو 50 يوماً على اللقاء المذكور، كما أرجو من المجلس مطالبة وزارة العمل بنشر أعداد المفصولين تعسفيا منذ بدء سريان تعديلات نظام العمل؛ لأن ما يخشاه الكثيرون هو انشغال المجلس عن الموضوع؛ في الوقت الذي تستمر فيه عمليات الفصل التعسفي (بالقطّاعي)؛ بعد قرار معالي وزير العمل بمنع الفصل الجماعي!.
ختاماً، أتوجه إلى رجال أعمالنا برسالة أقول لهم فيها إن المهانة الحقيقية هي فقدان الناس لوظائفهم (تعسفياً)؛ ما يضطرهم للحاجة وذُلْ السؤال، وبأننا جميعاً -تجّاراً وموظفين- في مركبٍ واحد، وأن محاولة البعض منهم التنصُّل من مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية تحت ذرائع متعددة، هو نكران لجميل الدولة عليهم، كما أطمئنهم بأننا -معشر الموظفين- منهم وفيهم، وأننا حريصون على استمرار نجاحاتهم؛ لأن هناك علاقة تناسب طردي بين استمرار نمو أعمالهم، وقدرتهم على توليد فرص العمل لأبنائنا.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2017/03/25