نريد حكومة «كفاءات» لا «ولاءات»
هاني الفردان ..
منذ الخميس (17 سبتمبر/ أيلول 2015) الذي أعلن فيه عن تشكيل «حكومة مُصغَّرة تُعنى بحلِّ المشكلات المالية وبالسرعة الممكنة»، وحتى هذا اليوم نترقب تنفيذ ذلك التوجيه الذي صدر إثر تقرير «عن تأثر الأوضاع المالية في مملكة البحرين بسبب تدنّي أسعار النفط والالتزامات الأخرى».
بعد 18 شهراً أعيد من جديد الحديث عن التوجه نحو إعادة هيكلة الجهاز الحكومي ليتناسب وطبيعة العمل الحكومي في المرحلة المقبلة، وعقدت الحكومة اجتماعات تنسيقية وخلصت حتى الآن إلى تنفيذ المشروع «وفق مراحل وبرامج تنفيذية وجدول زمني».
مع إعادة الحديث عن إعادة هيكلة الحكومة أو ما يمكن أن نسميه بـ «الحكومة المصغرة» أو حتى «الرشيقة» ارتفعت أصوات «نشاز» تنادي بضرورة أن تكون التعيينات الجديدة بحسب «الولاء» لا «الكفاءة»، وهي نظرة متخلفة ورجعية، تنم عن قصور في الإدراك والفهم، وجر البلد نحو الابتعاد أكثر عن الدولة المتحضرة والمتطورة، والتي تؤمن بمفهوم الرجل المناسب في المكان المناسب.
الشارع البحريني خلال الفترة الماضية انشغل بوضع سيناريوهات الحكومة الجديدة، والتكهن بتشكيلات متعددة، بعضها ركّز على «التكنوقراط» وبعضها فضّل تقليص العدد والمضي في سياسة التقشف، فيما ذهب آخرون لتطعيم مجلس الوزراء الجديد بعناصر كفوءة، فيما البعض من المتمصلحين والمستنفعين والعائشين على «الفتات» نادوا بحكومة تقوم على «الولاء» قبل «الخبرة» أو حتى الكفاءة، نتيجة قصر نظر وضيق أفق وحتى فهم وإدراك.
وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وكعادته، يستبق الأمور، وينفرد بالحديث عمّا يشغل الساحة عبر حسابه في «تويتر»، ففي العام 2014 وعند تشكيل الحكومة آنذاك، قال إن «رئيس الوزراء يؤكد أن الكفاءة والخبرة والقدرة على العمل معيار أساسي في اختيار أعضاء الوزارة الجديدة التي سيتم تشكيلها».
كمواطن بحريني، أحلم بأن يكون لي رأي في اختيار حكومة بلدي، بحيث يمكن محاسبتها عند تقصيرها، وإقالة أي وزير أو مسئول عندما لا يكون قادراً على أداء مهامه على أكمل وجه، عبر مجلس نيابي حقيقي بصلاحيات كاملة، وغير مكبّل وعاجز عن محاسبة أحد، وهو ما لا يتحقق حالياً. فمن المآخذ في العالم أن لا يخضع تشكيل الوزارات لمعايير الحاجة والطلب وتقديم خدمات، بقدر ما هو أداة لتكريم أو تنصيب أفراد. وبالتالي تصبح الوزارات حقائب توزع على أشخاص يُراد توزيرهم، فتصمم وتُفصَّل، وتدمج أو تفصل، وفق المتطلبات الخاصة، بعيداً عن المؤهلات.
ما هو معروف من قبل أن الوزير قبل الوزارة، ولأجل عيون الفرد تبنى له وزارة، ومن أجله تدمج وتفكّك وزارة، وقد تلغى أيضاً إذا لم يشأ أن تسلم لغيره، وقد تجدها تعاد بعد حين كوزارة عندما يوجد لها فرد يجب أن يكون وزيراً. فالوزارة وسيلة والوزير غاية، والوزير أهم من الوزارة.
منذ أن وعينا على هذه الأرض، وزارات تدمج، لعدم وجود وزير مناسب! ووزارات تفكك لوجود وزير بحاجة إلى وزارة! ووزارات جديدة لمن لا توجد له وزارة، وحتى لو كانت حقيبةً بلا وزارة!
مازلت أذكر قبل أعوام عندما سئلت وزيرة التنمية الاجتماعية في ذلك الوقت فاطمة البلوشي، عندما أوكلت لها مهمة وزارة حقوق الإنسان لتصبح وزارتها وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية، ما هي العلاقة بين الاثنتين والذي جعل وزارة حقوق الإنسان تلحق بالتنمية الاجتماعية، فكان الجواب: العلاقة كبيرة ووثيقة، ولذلك تم الدمج، والتنمية مرتبطة بحقوق الإنسان، وبعد عام فُكّكت الوزارة، والسؤال: لماذا فُكّكت بعد عامٍ من دمجها رغم أن العلاقة وثيقة؟ فكان الجواب واضحاً أنه وُجِد أحد أُريد له أن يكون وزيراً!
فُكّكت وزارة التنمية وحقوق الإنسان لتكريم شخصية، وجماعة لـ «ولائها» بوزارة، فأسندت له وزارة حقوق الإنسان، وبعد عامٍ واحدٍ ثار الشارع على الوزير ووزارته، حتى خرج بنفسه يصرّح أنه وزير بلا مهام، ومجرد وزارة بأربعة سواق!
كمواطنين، لا نتمنى تقديم حقائب وزارية لإخوة من عائلة واحدة كهدية «ولاء»، فنشهد «تدوير» أشقاء أو أقرباء على عدة وزارات، دون معايير مهنية واضحة، ولا نريد وزيراً وظيفته الإساءة، ولا يجيد فن السياسة.
في ظل التقشف المعلن من قبل الحكومة، لا أعتقد أن إعادة هيكلة الجهاز الحكومي مجبر على الإبقاء على حقائب وزارية بلا وزارات، ومسميات وزارية بلا مهام، ووزراء متشابهين في المهام، وأفراد يكافؤون بلقب «مستشار» بلا فائدة.
من أجل إنجاح فكرة إعادة هيكلة الحكومة، وترشيقها وتقليصها، وجعلها حكومة منتجة وفاعلة، يجب أن نبتعد عن توزيع تلك الحقائب وفق مفاهيم «الولاء»، وأن لا تكون الوزارات في بلدنا تأتي بالتفصيل، توسّع وتضيّق بحسب سعة الحكومة، ووزن الوزير الجديد، وأن لا تكون الوزارة في بلدنا وسيلة، والوزير هو الغاية، والشعب على الهامش، لذلك هناك من يريد أن توزع الحقائب بحسب «الولاء» حتى لا يفقد مكانه حتى وإن لم يكن من الكفاءات.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/03/25