مفهوم «الولاء للوطن»... والخيانة العظمى
هاني الفردان ..
يقول خطيب الجمعة بجامع نوف النصار الشيخ عبدالرحمن الفاضل (الجمعة 24 مارس/ آذار 2017) «علينا أن نلتفت إلى من يقول إن الولاء قبل الخبرة في المناصب الحكومية.. لأنه لو أخذت الدولة بذلك لما تقدمت شبراً واحداً، وأن المناصب العليا لا تسند لا إلى القوي الخائن، ولا إلى الضعيف الأمين، لأن إسنادها إلى أحدهما خراب ودمار للدولة.. ومن فعل ذلك فقد ارتكب الخيانة العظمى»، ونضيف عليه أيضاً من دعا إلى ذلك.
خطيب الجمعة دعا إلى عدم «الالتفات إلى ما يكتبه بعض المستكتبين من الكتبة المتملقين من قالوا: الولاء قبل الخبرة في المناصب الحكومية»، واصفاً ذلك بـ«المكر والتضليل»، و»الكيد الملغوم» (صحيفة محلية).
خطيب الجمعة بجامع نوف النصار، وضع يده على الجرح، والنقاط على الحروف، بتأكيده على أن تلك الدعوات لن تؤدي إلى تقدّم الدولة شبراً واحداً للأمام، بل قد تجرها للخراب والدمار.
نشد على يد الفاضل في ذلك الحديث، فالناصح الأمين والمخلص فعلاً لوطنه لا يقول ذلك القول، ومن يقوله فهو لا يحب الخير لهذا الوطن بل يقدّم مصالحه الشخصية على ذلك، وعلى استعداد تام ليصادق ويبصم على كل شيء، وليس أن يصدق (أي يكون صادقاً) في كل شيء.
البعض ممن وصفهم خطيب الجمعة بجامع نوف النصار بـ«الكتبة المتملقين» دائماً ما يلعبون على مصطلح «الولاء للوطن»، ويضعون أنفسهم موضع الموزعين لصكوك ذلك الامتياز، فيعطيه من يشاء ممن هم على شاكلته، ويسقطه عن من يشاء ممن يختلفون معه!
مفهوم «الولاء للوطن» لدى البعض يجب أن يكون مفصلاً بمقاييسهم فقط، ووفق منظورهم واحتياجاتهم، ومواقفهم وتصرفاتهم ومصالحهم، والظروف المحيطة بهم، فهم فقط الموالون للوطن والمختلفون معهم دائماً يجب عليهم أن يثبتوا ذلك، وأن فعلوا وأثبتوا للعالم ولاءهم وحسهم الوطني، فإن ذلك ليس كافياً لتلك الفئة التي لن ترضى عنك حتى تتبعهم، وتكن مثلهم وعلى شاكلتهم.
قبل فترة كان هناك لقاء مع عضو الشورى السابق إبراهيم بشمي في تلفزيون البحرين وتطرق لجزئية الدين والسياسة، وكيف ردّ على فكرة أن دين الدولة الإسلام، والجواب الذي طرحه بواقعية، ومهنية، وهي طرح إشكالية «الصيغة»، وأن هناك من يضع الدين بصياغته الخاصة، ويعتقد أن البقية على خطأ!
ذلك الحديث ينطبق أيضاً على مفهوم «الولاء للوطن»، فهناك من يريد أن يجعل من مقاييسه للولاء هي الصحيحة، ومن «صياغته» لذلك المفهوم هو الأساس لتوزيع صكوك الولاء على من يريد، فقط لانسجامها مع مفاهيمه الخاصة، أو إسقاطها عن من يريد لاختلافه معهم في أفكارهم وتطلعاتهم ومواقفهم.
عضو شورى ونائب سابق في مقابلة متلفزة مع قناة «العربية» عندما حلّ ضيفاً على حلقة «نقطة نظام»، وجّه له سؤال وبشكل مباشر من قبل مقدم البرنامج: هل تظن أن فئةً من شعب البحرين في حال أي عدوان خارجي لن تقف كتفاً لكتف مع إخوانهم في الدفاع عن البحرين؟ ليرد، أتمنى، أن نقف جميعاً، وأرجو أن الحوادث أثبتت ألا يحمينا إلا بعضنا بعضاً، ولن يبني البلد إلا بعضنا بعضاً، فإذا لم يأخذوا الدرس من ذلك كله (...)، وأتمنى أن يقفوا مع إخوانهم، ولا أعلم الغيب.
كلام عضو الشورى والنائب السابق، جميل، فلا أحد يعلم الغيب عمّا يحدث من رد فعل من الجميع، وليس من فئة معينة في حال حدثت تغيرات وتطورات لا يدركها أحد، ولكن تبقى مسألة الولاء للوطن، ليست حكراً على أحد، وليست منسوبة لفئة ومسحوبة من فئة أخرى تريد تحقيق العدل والمساواة بين جميع أبناء الوطن.
نتفق معه، فإنه على أبناء البحرين بلا تمييز ولا تفريق ولا تصنيف أن يقفوا يداً واحدة وجميعاً في وجه أي عدوان خارجي من أي طرف كان ضد أرضنا وشعبنا، ونتفق معه بأن كل البحرينيين لن يتوانوا أبداً في الدفاع عن «حياض الوطن» حتى دون الحاجة لما يطرحه البعض حالياً من التشكيك الدائم فيمن يختلف معهم بشأن قضايا داخلية.
لا أحد يعلم الغيب عمّا سيحدث، ولكن نعلم ويعلم الجميع أن تاريخ شعب البحرين ثابت وقوي وراسخ في الجذور، وأن شعب البحرين بمختلف تلاوينه سيدافعون عن دينهم وأرضهم وعروبتهم وقيمهم، وأن البعض سيكون شاذاً ومن بينهم من هدّد بـ»القاعدة وأخواتها»، في حال حدث تغيير في البحرين يضمن حقوق الجميع!
منذ سنوات، ومقياس «الولاء للوطن» مطاطي جداً لدى بعض الجماعات، فهو مقياس خاص، بمعايير خاصة، يجب أن تنسجم مع متطلباتهم وتوجهاتهم، فهم يخالفون تلك المعايير في سلوكهم ومواقفهم، ويرمون في الوقت ذاته الآخرين بها، ومن يفقد الولاء، يتهم غيرهم بعدم الولاء للوطن، حتى قاربهم خطيب جمعة منهم وفيهم نحو «الخيانة العظمى»، عندما فكّروا بتقديم «الولاء» على «الخبرة والكفاءة».
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/03/27