الغش: من الفكري إلى المادي!
سالم بن أحمد سحاب ..
ليس غريبًا أنْ ينتشرَ الغشُّ في معظم أحوال حياتنا اليوميَّة، إذ لا يكادُ يسلم قطاعٌ، أو نشاطٌ إلاَّ وكان للغشِّ فيه نصيبٌ. والغشُّ كلّه مرفوضٌ، وهو كالخمر، ما أسكر كثيره حُرِّم قليله. التَّساهلُ في الغشِّ يبدأ طفيفًا، وعندما يسكت المجتمعُ عليه يبدأُ في النموِّ والتوسُّع، ينمو رأسيًّا، ويتوسَّع أفقيًّا؛ لأنَّ النفس جُبلت على حبِّ المال، وعشق الثراء السريع.
في التعليم مثلاً، يتمُّ التشديدُ أحيانًا على الطلبة؛ حتَّى لا يغشُّوا في الاختبارات، في حين يُغض الطرف عن معلِّمين وأساتذة جامعيين (يكيلون) الدرجات كيلاً لغير مستحقيها، فتتضخَّم النتائجُ، وترتفعُ المعدلاتُ. هذا التَّساهل يؤدِّي إلى تفريط أكبر، حين يلجأ البعضُ إلى (شراء) الشهاداتِ العُليا بالمال، فيصبحون (دكاترة) الوهم والزيف، ومنهم المستشار، والمدرب، وصاحب المنصب الإداري والإعلامي، والناقد، وربما أستاذ الجامعة. وعندما تصبح الألقابُ العلميَّةُ (مضروبةً) والشهاداتُ (مغشوشةً) -وإنْ قلَّت نسبتها- فإنَّ الضررَ يكبرُ حتَّى يكاد يعمَّ المجتمع كله.
هذا الزيفُ الفكريُّ الكبير (المسكوت عليه) يؤدِّي إلى زيفٍ (ماديٍّ) كبيرٍ، هو الآخر يبدأُ صغيرًا ثمَّ ينمو، وينمو، ويكبر. تنمو فاتورته من ريالاتٍ قليلةٍ إلى ملايين، بل مئات الملايين من الريالات. خذوا قطع الغيار مثلاً، والأجهزة الكهربائيَّة الرديئة، وغيرها من السلع التي تتجاوز قيمتها الإجماليَّة مليارات الريالات، لدرجة أنَّ تكلفة الغشِّ (التجاريِّ) الماديِّ في بلادنا يبلغ 40 مليار ريال سنويًّا، وهي تكلفة قد لا تزيد عن تكلفة الغشِّ الفكريِّ العلميِّ (المسكوت عليه)، لأنَّه يتوالد ويتكاثر حتَّى يصبحَ سلوكًا مقبولاً، بل ورائجًا على مستوياتٍ متعددةٍ.
ختامًا إليكم هذا المثال الفاضح، الذي صوَّرته (الكاميرا) لأحد المستودعات العائدة لشركة تجاريَّة وطنيَّة معروفة، تُورِّد موادَّ طبيَّة وصحيَّة لأكثر من 180 مستشفى تابعًا لوزارتي الصحَّة والحرس الوطنيِّ. في المستودع مئات العبوَّات التي تُعبَّأ باليد من موادَّ مغشوشةٍ مخلوطةٍ، تُوضع عليها (ملصقات) الشركات الأصليَّة المعروفة بجودة منتجاتها، لتُباع بأسعار مضاعفة، على أنَّها الأصلُ، في حين هي (الغشُّ) بأصلِهِ وفصلِهِ.
صعب التأكُّد من حجم الغشِّ المهول في حياتنا، لكن سهل التأكُّد بأنَّ هؤلاء (الغشَّاشين) مطمئنون بأنَّهم لن يصيبهم من الأذى أكثر ممَّا يصيب العين من القذى.
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2017/04/05