حتى في قمة العبودية يريدنا الله أحرارًا!!
محمد السحيمي ..
يسلِّم كل مؤمن بأن الغاية من خلق الجن والإنس في الدنيا هي تحقيق العبادة لله وحده لا شريك له؛ كما يقول الحق: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)!
وبما أن الإنسان من بين كل المخلوقات حمل (الأمانة) فإنه لن يحقق الغاية من وجوده إلا إذا تمتع بكامل حريته واختياره!!
وأقرب مثال يوضح هذه المعادلة هو: دخول مستثمر (سعودي) في (بُرصة) نيويورك ليضارب على الـ(5%) التي تنوي أرامكو طرحها! فهو لا يملك سوى المال، وحريته في أن يغامر تحت الشعار الذي كان سائقو (التريلات) السعوديون يكتبونه فوق الصدَّام الخلفي: «على كف القدر نمشي * ولا ندري عن المكتوب»!
ولكن الله تعالى لم يتركنا لظلمنا وجهلنا ـ كما تفعل البُرصة ـ بل ما زال يأخذ بأيدينا فيرسل الرسل، وينزل الكتب! وما زال يأخذ بنواصينا فيرينا الآية تلو الأخرى، ويضرب لنا الأمثال من البعوضة إلى الجمل (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)! وحتى من شاء أن يكفر تعهد الحليم العليم أن لا يتركه قائلًا: (سنريهم آيَاتِنَا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)!
وتتجلى رحمة الله بعباده أن حررهم من أهم وأغم قيد يمكن أن يسلب الإنسان حريته؛ ألا وهو السعي والكدح لتأمين الرزق؛ فتكفل به سبحانه في الآيتين التاليتين مباشرة لتحديد الغاية من الخلق في سورة (الذاريات) فقال: (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)!
ورغم علمه سبحانه بأن الإنسان الحر لا بد أن يتخلص من هذا القيد الرهيب في النهاية؛ ليجد نفسه في قمة الحرية عبدًا ذليلًا بين يديه: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحًا فملاقيه)؛ إلا أنه جعل طلب الرزق عبادة مستقلة بذاتها (وابتغوا ما كتب الله لكم)، لأن الإنسان سيرى خلالها آيات لعل أعظمها أنه (يرزق من يشاء بغير حساب)!!
ومع أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها؛ فقد جعل التيسير هو مراده سبحانه، لأن التكاليف مهما كانت قليلة فهي قيود تحد من حرية الإنسان، التي أراده الله أن يتمتع بها كاملة وبكامل قواه العقلية، حتى وهو يخرُّ بخالص العبودية لله، فقال في وصف (عباد الرحمن): (والذين إذا ذُكِّروا بآيات ربهم لم يخرِّوا عليها صُمَّاً وعمياناً)!
فكيف بمن يؤجر عقله ويرهن حريته (أمانته) لعبد مثله؟؟؟
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/04/07