وزارة التعليم والحركيون والسحيمي: فطن سيدخل عيادة الرقاة
قينان الغامدي
يبدو لي -والله أعلم- أن وزير التعليم "عزام الدخيل"، لم يطلع على ملفات الوزارة السابقة فيما يتعلق بما فعله "السروريون" داخلها، وما نتج عن أفعالهم من محاكمات لمعلمين ومعلمات، اعتبرهم هؤلاء "المتطرفون الحركيون" خارجين عن النسق الذي يريدونه، بتهم أفضل ما يقال عنها أنها "تافهة"! كما أن معاليه لا يعلم عن الواقع الحي داخل كثير من مدارس البنين والبنات وما يحقن به طلابها وطالباتها من "ثقافة الموت، والتفسيق والتبديع، والتحريم لكل مباح"، مما يجعل كثيراً من الطلاب والطالبات يعيشون في أزمات المقارنة بين ما يتلقونه من بعض معلميهم ومعلماتهم، وبين مظاهر الحياة حولهم، حتى في بيوتهم، لكنهم يجدون حلاّ سهلاً في بعض قنوات التلفزيون الحافلة بوعاظ "حركيين ودراويش" يؤكدون لهم دقة وصحة ما تلقوه داخل مدارسهم، وفي ذات الوقت يقولون "اصبروا، وأنكروا" داخل أنفسكم إلى أن تجدوا فرصة لتغيير المنكر عملياً!
وأريد أن أسأل الأخ عزام: كيف تتصور وضع طالب أو طالبة يعتبر بعض المعلمين أو المعلمات "فسقة أو منحرفين!" لأنهم يقولون له "النشيد الوطني بموسيقى السلام الملكي، والأغاني الوطنية حلال"، بينما في ذات المدرسة معلمون أو معلمات يحرمونها، ويؤكدون أن من يستحلها "فاسق ومنحرف"؟!
تأمل يا معالي الوزير، ثم حاول أن تعرف ماذا سيحدث لبرنامج "فطن" الذي أوكلت الوزارة أمر تنفيذه لاجتهادات المعلمين، والمعلمات. إن هذا البرنامج الرائع في رؤيته ورسالته، سيأخذ مساره إلى تكريس التطرف المكرس أصلاً، ولن يجدي سحب كتب الإخوان المسلمين من مكتبات المدارس، فهي أصبحت محفوظة في العقول، وكأني بكثير من معلميكم ومعلماتكم الآن يقولون "هذه حرب على الفضيلة تشنها الوزارة"، لكنهم سيجدون من الفتاوى "المحلية" الموجودة والمستمرة ما يتناغم مع فكرهم ويمنحهم فرصة الجهر بما يكتنزونه من "تطرف وتشدد". سيجدون الوقت الكافي في كل حصصهم لتكريسه باسم "الدين والتدين"، ولا حتى إبعاد معتنقي الفكر الحركي المتطرف أو المتشبعين به دروشة، فمع صعوبة اكتشافهم ومع أن هذه خطوات جيدة، إلاّ أن اجتثاث الفكر يحتاج إلى قرارات وجهود أكبر وأشمل، فبهذا الأسلوب -الخجول- سنظل كوطن ندور داخل دائرة هذا الفكر الذي أفضى وسيفضي إلى ما نشاهده اليوم من إرهاب داخل الوطن وخارجه.
وحتى لا يظن أحد أنني أتجنى، فمنذ سنوات كتبت مقالاً عن قضية الزميل محمد السحيمي –الكاتب الساخر المتألق في صحيفة مكة الآن- الذي حكم عليه بالسجن والإبعاد، لأن رسالته للماجستير كانت تحت إشراف الدكتور عبدالله الغذامي، وكان يردد شعر نزار قباني ويشيد به، وفي ذات الوقت كان زميله معلم الكيمياء "محمد سلامة الحربي" في مدرسة "الفويلق" قيد المحاكمة في القصيم، لأنه أغلق "شباك الفصل" أثناء أذان الظهر، ليكمل شرحه العلمي لطلابه، وتكرم الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- وأصدر عفوه الكريم عن الإثنين، وأصر الحربي بعد العفو الملكي على العودة إلى مدرسته وعاد، أمّا السحيمي، فما زال مبعداً عن العمل الميداني، وأصبح إدارياً بوظيفة "مسولف عام" -كما يصف عمله بنفسه-.
وكنت أظن أن ذلك العفو الملكي قد حمى الباقين من المحاكمات والمماحكات، والتضييق، لكنني اكتشفت أنني واهم فعلاً، إذ وجدت أن المعلم "وحيد الغامدي" في ينبع -وهو كاتب وطني جميل في صحيفة مكة الآن- قد خضع للمساءلة والتحقيق لأن له آراء تناقض فكر المتشددين والمتطرفين، وأن زميله في نفس المدرسة "إبراهيم الحارثي" يتعرض لمضايقات في مماحكات وتضييق لأنه "مسرحي متميز" وفاز بجوائز دولية، وأن "أحمد السادة" في ظهران الجنوب تم إبعاده عن إدارة مدرسة ثانوية لأنه كتب مقالاً في صحيفة إلكترونية ينتقد إجرام داعش والفكر الذي أفضى إليها، وأن عبير الأسمري، في الرياض لم يبرئها إلاّ "القضاء الإداري في ديوان المظالم" ويقرر إسقاط العقوبات التي صدرت بحقها من إدارة التعليم لأنها ظهرت -متحجبة- في برنامج "الثامنة مع داود"، ولأنني الآن شبه متأكد أن هناك آخرين وأخريات، تحت وطأة مماحكات أو محاكمات المتطرفين المتغلغلين في مفاصل الوزارة، ابتداءً من مبناها العتيق في شارع الوزارات إلى أقصى مدرسة بنين أو بنات في تهامة، وبادية حائل، فإنني أرجو من الوزير المجتهد "عزام الدخيل" أن يتأكد من هذا الواقع بنفسه، ثم ينقطع وقتاً كافياً للتأمل والاستشارة، وسيجد -قطعاً- بين المعلمين والمعلمات الذين ذكرت أسماءهم "وأهمهم السحيمي" من يضيء له طريقاً نحو استدراك سقوط "فطن" في وحل "الوزارة" الصلب، فينكسر دماغه ويبقى في العناية المركزة، يتعهده "رقاة الوزارة" بالرعاية والعناية.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2015/12/07