السائق الخاص «ترف» وليس قيادة المرأة!
هاني الظاهري
التصريحات المخجلة التي صدرت عن إحدى عضوات مجلس الشورى أخيراً زاعمة فيها أن قيادة المرأة للسيارة «ترف» تكشف بوضوح عن ظاهرة انخفاض مستوى وعي بعض النخب في المجتمع السعودي وانقلاب المفاهيم لديها نتيجة الاستلاب لصالح ثقافة «فوبيا التغيير»، وهي الثقافة التي تقف خلف كل تخلف حضاري في أي مكان على سطح هذا الكوكب.
لو أخبرت شخصاً أن قيامه بارتداء ملابسه بنفسه ترف ومن المفترض أن يوظف شخصاً آخر ويخصص له راتبا شهرياً مقابل أن يلبسه ملابسه فسيعتقد مباشرة أنك تعاني من اضطراب عقلي ما، وهذا شبيه بما أدلت به عضو الشورى المحترمة، التي أعتقد أنها بحاجة لمراجعة تصريحاتها والصدق مع الذات ومن ثم الاعتذار لمئات الآلاف من السعوديات اللواتي يصرفن على أسرهن ويذهب معظم دخلهن من الوظائف المتواضعة لسائقين من كل بقاع الأرض، ولو خصصت هذه المبالغ لامتلاك سيارات (على قدر الحال) بالتقسيط لتحسنت أوضاعهن المادية، وأسهم ذلك تحسين مستوى معيشتهن.
قالت عضو الشورى المحترمة بحسب ما نُقل عنها إن الأولوية لديها لقضايا بطالة النساء وقضايا الطلاق، وغاب عن تفكيرها أن البطالة النسائية مرتبطة كليا بارتفاع تكلفة الوظيفة وانخفاض الدخل المتوقع منها، فوظيفة راتبها ثلاثة آلاف ريال شهريا يذهب منها ألفان للسائق ليست وظيفة وإنما نوع جديد من الابتزاز المشرعن والظلم الذي خلفته ثقافة اجتماعية بائسة يجب أن تعالج وتُنبذ من قبل النُخب التي يُفترض أن يكون لديها وعي بالمعوقات ومسبباتها لا ترديد اسطوانات مشروخة بحثاً عن شعبوية عابرة لدى فئة من الناس يعيشون معنا بأجسادهم في هذا العصر وتعيش عقولهم في العصور الوسطى.
أما من ناحية قضايا الطلاق، فهذه من المضحكات المبكيات، ففي كل دول العالم الطلاق مسألة شخصية وحل لمشكلة وليس مشكلة في حد ذاته، ومن المعيب أن ينظر للمرأة المطلقة على أساس أنها من ذوي الاحتياجات الخاصة، بل هي مواطنة حرة مستقلة كاملة الأهلية لها كل الحق في اختيار نمط حياتها وعدم الارتباط بشخص غير مناسب، ولو كان الطلاق مشكلة بحاجة لمعالجة لما أصبح جائزا شرعا، لكن مشكلتنا في افتئات بعض ضعاف العقول على الشريعة واعتقادهم لا شعوريا أنهم أدرى بمصلحة الإنسان من خالقه، واعتقادهم أيضا أن من مسؤوليتهم معالجة الأخطاء التي قد يقع فيها الشرع (ننزه الشريعة عن فكرهم هذا).
ختاماً أعتقد أن عبارة مثل «قيادة المرأة ترف» لا يمكن أن تصدر إلا من شخص صُدم بفقدان كل الحجج التي كان يستند إليها لإثبات صحة رأيه، فسابقاً قيل قيادة المرأة حرام وثبت أن الحرام هو إجبارها على الاختلاء برجل أجنبي اسمه «سائق خاص» والصرف عليه من دخلها، لكن التعويل على أن الوعي الاجتماعي في ازدياد وأن الأجهزة الرسمية ستعالج هذه القضية اليوم أو غداً لأنه لا يصح إلا الصحيح في نهاية المطاف.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2017/04/19