الاقتصاد بعد عودة البدلات
د. عبدالله بن ربيعان
جاء أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز السبت الماضي بإعادة جميع المزايا والبدلات لموظفي الحكومة مبهجا للمواطن ومحركا للاقتصاد ومؤكدا تجاوز الحكومة للمصاعب المالية التي جثمت على مواردها طوال 2016 والربع الأول من 2017.
والأهم اقتصاديا أنه رفع مستوى التفاؤل والثقة في نفوس المواطنين والمنتجين والمستثمرين بعودة الاقتصاد إلى سابق عهده في النمو المتوازن رغم حجم الصعوبات التي مر بها، كما جاء القرار أيضا في وقته المناسب حيث ستصرف البدلات على أبواب شهر رمضان المبارك وهو موسم استهلاكي وإنفاقي محرك لركود السوق.
بالنظر لوضع الاقتصاد قبل القرار، فالمؤشرات الكلية كلها ليست جيده، فالتضخم دخل شهره الثالث على التوالي وهو يسجل أرقاما سالبة دالا على ركود الاقتصاد، والبطالة تجاوزت 900 ألف شخص للمرة الأولى في تاريخها، والنمو العام المتوقع في 2017 لن يجاوز 0.4% حسب تقديرات الصندوق الدولي، وهو نمو ضعيف مقارنة بمتوسط النمو العالمي الذي يقترب اليوم من 3%، وبالتأكيد سيكون نمو القطاع الخاص رقما قريبا للصفر.
والسؤال هنا، هل إعادة البدلات والمزايا المالية لموظفي الحكومة كافيا لتحفيز الاقتصاد وإخراجه من الركود؟ رأيي الشخصي هو لا، فالتحفيز بإعادة البدلات والمزايا شئ جيد لوقف انزلاق الاقتصاد إلى مزيد من الركود ولكنه ليس كافيا لتقلب المؤشرات الكلية اتجاهها نظرا لضخامة حجم الاقتصاد مقاسا بالناتج المحلي في مقابل محدودية البدلات والمزايا (حوالي 50 مليار ريال حسب بعض الاحصاءات).
وبالطبع، لن يكون ضخ 50 مليارا أو نحوه شهريا محفزا كبيرا لعودة النمو إلى أرقام مقبولة (2% وأعلى) ولا خافضا للبطالة بنسب جيدة، ومازال الاقتصاد يحتاج لمحفزات أخرى مالية وغيرها، ومنها للمثال:
أولا: زيادة جرعة الضخ المالي عبر الصناديق التنموية (العقاري، الصناعي، بنك التسليف.. وغيرها)، فهذه الصناديق تحرك معها أنشطة كثيرة وبلا كلفة على الحكومة كونها قروض مستعادة.
ثانيا: سرعة الضخ المالي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة لتبدأ أنشطتها بعد أن استكملت هيئتها تأسيسها واحتياجاتها التي تمكنها من تقديم الدعم المالي واللوجستي بكفاءة. والمقصود في أولا وثانيا هو الضخ الحكومي، فما زال اقتصادنا معتمدا على الإنفاق الحكومي وليس في المدى المنظور خيارات غيره.
ثالثا: فتح باب التصدير للمنتجات الزراعية والإسمنت وغيرها بلا قيد أو شرط (لعام كامل)، فهذا يوسع السوق ويطرد ركوده ويعيد للاقتصاد سيولة إضافية هو في أشد الحاجة لها اليوم.
رابعا: فتح باب ممارسة النشاط التجاري لجميع موظفي الحكومة بضوابط معينة تمنع الإخلال بواجباتهم، مما يخلق طلبا إضافيا على القروض الاستثمارية والإيجارات والمعدات والمكاتب والعمالة وغيرها.
خامسا: تحسين جباية الزكاة، ومنع إخراج أية سيولة نقدية (كاش) تزيد عن 20 ألف ريال عبر المنافذ (المسموح حاليا 60 ألف ريال)، وتشديد الرقابة على حوالات العمالة الأجنبية المتستر عليها.
ختاما، قرار الملك سلمان بإعادة البدلات والمزايا جاء في وقته المناسب لوقف زيادة الركود والبطالة، والأهم أنه أعاد الثقة للمواطن وللاقتصاد، ولكن حجم ضخ البدلات مازال محدودا وقاصرا على الموظفين، وهو مايحتاج لتدعيم وتقوية بالضخ هنا والقرار الداعم هناك ليعود الاقتصاد لنموه المقبول والمأمول، وتتحسن مؤشراته الكلية تبعا لهذا النمو.
جريدة الرياض
أضيف بتاريخ :2017/04/28