100 كلمة
محمد عبدالله محمد
الأمية أو Illiteracy. مصطلح لا أحد يجهله لكنه أيضاً بقي مَثار جدل من حيث تعريف مَنْ هو الأمي. فتعريف الأمية في كوريا الشمالي على سبيل المثال جعل نسبة التعليم فيها 99 في المئة. فمعيار التعليم هناك هو أن يُتقِن الكوري الشمالية كتابة اسم مؤسس البلاد كيم إل سونغ. كما أن الزمن لعب دوراً في تعريف الأمية كذلك. فتعريفها اليوم يختلف عن كافة التعريفات التي سبقت هذا الزمان بقرن أو أكثر.
فقبل 317 عاماً كان مَنْ يجيد الصلاة وتراتيل الإنجيل وتعلُّم الدين المسيحي يعتبر متعلماً، ومَنْ يجهلها يكون أمياً. أما قبل 137 عاماً فقد كان القارئ جهراً والكاتب إملاءً مع القدرة على الحساب من المقاييس التي تجعل المرء يحمل صفة: متعلِّم. لكن في ستينات القرن الماضي حُدِّد «عدم القدرة على فهم نصٍّ بسيط متعلق بالحياة» كمقياس لأن يُسمَّى ذلك أمية يجب القضاء عليها.
بدأت تلك المقدمة كي أستعرض واحداً من أمتع الكتب التي صدرت حديثا والمعنون بـ : التربية في 100 كلمة. وهو كتاب ليس كبيراً في عدد صفحاته ولا في حجمه؛ لكن محتواه مهم جداً، اضطلع بتأليفه كل مِنْ عالِم الاجتماع الفرنسي باتريك رايو، ومديرة الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS) أغنيس فان زانتن وهي أكاديمية من فنزويلا. ورق الكتاب من الحجم المتوسط، وصفحاته لا تزيد 113 إذا ما استثنينا ثبت المصطلحات وأوراق التقديم. كما أن المنظمة العربية للترجمة التي أصدرت الكتاب حسناً فعلت عندما اختارت نهوا عز الدِّين السكافي مترجمة له.
ميزة الكتاب أنه لا يتحدث عن التربية بالطريقة المعهودة والكلاسيكية؛ بل يعرضها وفق مناهج مزدوجة بعضها فلسفي وآخر اجتماعي فضلاً عن التاريخ. وقد وزَّع المؤلفان الكلمات المئة على 5 فصول كالتعلُّم والتعليم والقيم والسياسات والأجهزة والمؤسسات والإجراءات ومنفذيها وأخيراً النظم والطرائق. وهي في الحقيقة عناوين مهمة تحتوي على كثير من المعلومات والصور المطبقة في عدد من الدول المتقدمة، وأبرزها فرنسا صاحبة التاريخ التعليمي والتربوي العريق.
عندما يأتي الكتاب إلى مفهوم الطفولة لا يتناولها بشكل مبسط أو معهود، بل هو ينظر إليها وفق رؤية جاك روسو وباعتبارها «ركيزة للشخصية ومرحلة بروز المهارات والوعي الإدراكي». كما يرى أن مسارها الصحيح يبدأ من عدم إتباع ذات البرامج التي تعلمتها الأجيال السابقة. وإذا ما بُدِئ بأشياء جديدة يجب أن يترسّخ لدينا أن الضياع «لا يُشكل فشلاً إنما تجربة أساسية» كما يقول.
في مسألة الطالب يفصِّل الكتاب كيف يصبح التوجيه نحو سوق العمل. والتلميذ من وجهة نظره هو محركٌ «للعلاقة التربوية المبنية على أسس تتعلق بالانخراط الفردي في المعرفة» لكن وفي مرتبة ما «يتم التعرف على الطلاب داخل المدرسة من خلال المشاركات في الثقافات وأشكال الدمج الاجتماعي والطفولي والشبابي» وهي سياسة تعزز «المناهج التربوية» وتستبدل «التمثيل السلبي غير الفعال للطالب على أنه إناء من المعرفة ونظم المؤسسة» بتنشئة أخرى أزيد نفعاً.
يطرح الكتاب مقاربات بين تأثير المؤسسة والفصل (الصَّف). هو يتحدث عن أن «تأثيرات الصَّف أقوى بكثير من تأثيرات المؤسسة فيما يتعلق بتعلّم الطلاب». وهو في ذلك يستعرض التكوين الاجتماعي للصَّف وكأنه يحفر إثنوغرافياً في مكوّناته، فضلاً عن تقنية ذلك التكوين من حيث الكمّ، إذ يناقش تعداد الصَّف بوصفه أحد أهم العوامل التي تؤثر في قوة التعليم وطبيعته.
يتحدث الكاتبان عن الرسوب المدرسي أو ما يُسمّيانه بـ «إعادة الصَّف» بشكل مختلف. وهما يعرضان الطريقة الإدارية لحل مثل هذه القضايا التي تُعاد إلى «مجلس التعليم». يتحدثان عن أن 38 في المئة من الشبان البالغين 15 عاماً بأنهم أعادوا صفوفهم مرة واحدة على الأقل». ففي فرنسا يعتبر ذلك الإجراء حلاً للكثير من المشاكل كـ «إدارة اللاتجانس وتنظيم العلاقة التربوية».
وربما من المهم الإشارة هنا تعليقاً على ذلك إلى طبيعة التفتيش المدرسي القائم في فرنسا كما يذكره الكتاب. فتاريخياً يعود التفتيش المدرسي في عدة دول أوروبية ومن بينها فرنسا إلى أواخر القرن الثامن عشر للوقوف على «توافق التعليم في الصفوف مع توجهات السياسة». وجزء من أولئك يتبعون لسلطة عمداء الجامعات الفرنسية.
أما عن طريقة إعداد المعلمين فيشير الكتاب إلى أن مردّ الاهتمام بذلك كان بسبب توسّع التعليم في القرن العشرين ونسبة الرسوب العالية. فقد أنشئت «معاهد جامعية لإعداد الأساتذة» و»توحيد إجراءات التأهيل». وحين يحصل المتأهل على الإجازة «يتم إعداد المعلمين المستقبليين وفق نموذج التناوب المتنامي لحين الشروع بالعمل في السنة التي تلي النجاح في المباراة» وفق نظام صارم.
من الأشياء اللافتة في الكتاب هو الحديث عن علاقة القانون بالتربية. فهو يشير إلى «الفعل القضائي» للمدرسة، وكيف أن لها «الاعتراض أمام المحاكم الإدارية بشأن العقوبات المعلنة وقرار التوجيه أو بشأن مسئوليات المعنيين في حالات الحوادث». بالتأكيد فإن الفعل القضائي المذكور لا يتعلق بالمدرسة فقط بل هو يشمل بالطلاب وأهاليهم والمدرّسين والموظفين كذلك.
وهم وفي الوقت يتحدثون فيه عن ذلك في فرنسا إلاّ أنهم لا يطرحونه وكأنه قانون اقتصاص فقط؛ بل هو دفع نحو «التطور الفعلي للأخلاقيات المهنية للمدرّسين» حين يعرف المدرس «أين يضع الحرية التربوية بالتناغم مع سياسة المؤسسة». الحقيقة أن الكتاب جميل جداً ويطرح أفكاراً جديرة بأن تُقرأ. وهو إطلالة على دول قطعت شوطاً كبيراً في التربية والتعليم.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/05/06