هيئة البحرين للثقافة والآثار والنظرة الأرستقراطية
يوسف مكي
في العام الماضي 2016 صدرت مجموعة من الكتب، نحو 10 كتب مترجمة الى اللغة العربية من اللغتين الانجليزية والفرنسية. وتأتي هذه الكتب ضمن مشروع تدعمه «هيئة البحرين للثقافة والآثار» ويحمل اسم «مشروع نقل المعارف»، بإشراف الطاهر لبيب عالم الاجتماع التونسي.
ولاشك في أن المشروع إذا ما أخذ في عمومه هو مشروع طموح، ويعتبر بادرة طيبة بالنسبة لهيئة الثقافة والآثار، من أجل التعريف بالمنجزات الثقافية للآخرين.
هذا في المطلق. لكن من حيث التفاصيل فيبدو أن المشروع تعتريه كثير من السلبيات، والتفاصيل التي تشكك في جدواه وصدقيته، فاسم المشروع كبير «مشروع نقل المعارف» ويشرف عليه الطاهر لبيب، لكننا لا نعرف شيئا آخر عن طبيعة هذا المشروع الكبير، ومن هم الذين يشرف عليهم الطاهر لبيب. فمشروع من هذا القبيل لابد وأن يقوم عليه جهة -لجنة- مثلا وذات اختصاص ومن كبار المفكرين. في حين أننا لا نعرف من شخوص هذا المشروع سوى الطاهر لبيب.
وثانيا: لاحظت في أن الكتب المترجمة هي كتب قديمة بالمقاييس الثقافية والفكرية والمعرفية، ومعظمها قديم جدا يعود إلى سنة 1962 كما في كتاب «أصول الفكر الاغريقي» وهو كتاب لايقدم جديدا، وبعضها مر عليه أكثر من 30 عاما كما في كتاب «هل اعتقد الاغريق بأساطيرهم»، الذي يعود الى سنة 1983، والبعض الآخر مضى عليه من 25 عاما كما في كتاب «لغات الفردوس» وأكثر من 20 عاما كما في كتاب «قصة الفن» ويعود إلى سنة 1995، وهي كتب أكل الدهر عليها وشرب، وباتت معلوماتها متقادمة وتجاوزها الزمن بحكم أقدميتها. أما أحدث كتب السلسلة فهي ثلاثة كتب فقط، الأول يعود إلى 2003 وهو كتاب «الزمن اطلال» والثاني هو «الأبجديات الثلاث» ويعود إلى 2007، والثالث كتاب «التحليل النفسي» ويعود إلى 2013.
أما ثالثا: ومع شديد احترامنا لكل المترجمين لهذه الكتب، فيلاحظ غياب تام للمترجمين البحرينيين، وقد وضعت أسماء مترجمين عربا، ولا يوجد من بينهم ولا مترجم بحريني واحد. لماذا؟. هل اختفى المترجمون من البحرين؟
فمشروع صادر من هيئة وطنية بحرينية اسمها «هيئة الثقافة والآثار» من الطبيعي، لا بل من البديهي، أن يكون للمثقف وللمترجم البحريني دور وحضور فاعل في مثل هذه المشاريع، ليس فقط في الترجمة؛ بل حتى في القيادة والإشراف على هذا المشروع وأمثاله، ولدينا من المثقفين والمفكرين والمترجمين المشهود لهم في مثل هذه المجالات الثقافية والفكرية والمعرفية.
لكن فيما يبدو أن القائمين على هيئة الثقافة والآثار ومنذ مدة لديهم عقدة أن مغني الحي لايطرب، وكذلك النظرة الارستقراطية في التعامل مع المشاريع الثقافية والمثقفين والفنانين، بحيث يتم التعامل مع العنصر البحريني مهما كان مجاله الثقافي من خلال نظرة استعلائية، وبالتالي يتم تجاهله في مثل هذه المشاريع، وأنه وفقا لهذه النظرة لايشرف بلاده، وعليه يتم استبعاده وإحلال آخرين محله. ومن ثم تسند هذه المشاريع إلى أناس غير بحرينيين، ولا يهم من يكونون وبطرق فيها كثير من الرغوة والبهرج والاستعراض، واستبعاد البحرينيين.
لذلك فإن هذا المشروع هو أقرب إلى الفضيحة الثقافية منه إلى مشروع «نقل المعارف»، طالما أن البحريني المعني بالمعرفة والثقافة مستبعد منه ومغيب عنه، وخاصة في مجال ترجمة المعارف / الكتب المذكورة.
أظن أننا لا نجانب الصواب عندما نؤكد على أهمية أن تعيد هيئة الثقافة والآثار الاعتبار لمثقفينا ولمفكرينا ولأدبائنا ولفنانينا ولثقافتنا الوطنية، وتغير من طريقتها الاستعلائية على كل ما هو وطني من خلال إشراك كل ما هو وطني في مشاريعها. وبذلك فقط يمكن أن نباهي بثقافتنا وبإمكاننا أن ننقل حقيقة معارف الآخرين وفقا لما يراه مثقفونا، وليس لما يراه الآخرون لنا أيا كانوا.
ولنبدأ بتغيير هذا النهج بإعادة النظر في مشروع سلسلة نقل المعارف ببحرنة المشروع جملة وتفصيلا، وبشكل شفاف من ألفه إلى يائه، وخاصة أن المشروع من ذوي الكلفة العالية. أخيرا هل يلقى نداؤنا آذانا صاغية، نأمل ذلك.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/05/07