لماذا تعرقل وزارة التنمية الصناديق الخيرية؟
قاسم حسين
ليكن السؤال صريحاً وواضحاً ومباشراً: لماذا تتعمد وزارة العمل والتنمية الاجتماعية عرقلة عمل الصناديق الخيرية حتى الآن؟
الصناديق الخيرية تشكو منذ سنوات من طريقة تعامل إدارة المنظمات الأهلية، تعود لفترة الوزيرة السابقة، التي خلّفت وراءها الكثير من الإجراءات والقوانين المعرقلة لعمل الصناديق الخيرية. وكلنا يذكر كيف اختلقت في تلك الفترة معركة باسم القانون، مع 88 صندوقاً خيرياً، وضع الوزارة في صدام يومي لعدة سنوات، وانتهى كما تنتهي الزوبعة في فنجان، بتحويل اسم «الصناديق» إلى «جمعيات»!
اليوم مازالت تلك التركة الثقيلة تتحكّم في عمل الوزارة. فالوزير الجديد وطاقمه سار على ذات النهج والتزم بذات السنة، ولم يخطُ خطوةً واحدةً على طريق تصحيح العلاقة غير السليمة مع الصناديق الخيرية.
هذه المؤسسات القائمة على مبدأ العمل التطوعي، والتي تقدّم تجربةً حيوية لاستنهاض قوى المجتمع باتجاه المشاركة في تنمية المجتمع المحلي، مازالت تتوسل الوزارة لإيجاد حلٍّ للتعقيدات التي فرضتها الوزيرة السابقة، بخصوص جمع المال. فهذه المؤسسات ليست بنوكاً ولا شركات تجارية، وإنما هي منذ انطلاقتها الأولى مطلع الثمانينات، تعتمد على جمع المال وتوزيعه لمستحقيه. وظلت هذه الآلية تمارس بوضوح وشفافية بمعرفة الدولة وتحت رقابتها، وتحظى بمباركتها لأنها كانت عوناً لها في برامج الدعم الاجتماعي.
القطيعة حصلت قبل أعوام، حين تعمدت الوزارة فرض إجراءات تقيّد عمل الصناديق الخيرية، وفي مقدمتها استصدار تصريح مسبق لجمع التبرعات لفترة ثلاثة أشهر، وعندما ينتهي يجب أن تتوقف عن الجمع وتقدّم طلباً جديداً وتنتظر الحصول على الرخصة، التي تتأخر لعدة أشهر. وهكذا دخلت الصناديق في هذا النفق البيروقراطي المظلم.
يومها كتبنا مطالبين بالتخلّص من هذه الإجراءات البيروقراطية المعرقلة، وحذّرنا من تأثيرها الحتمي على تراجع إيرادات الصناديق الخيرية، وهو أمر أصبحت الصناديق تشكو منه، ويكفي ما نقرأه من مقالات أو نسمعه من شكاوى من يديرونها.
كان كل ذلك يتم بدعوى تنظيم عمل الصناديق الخيرية، ولكن الحقيقة أنه كان خضوعاً لإملاءات ما كان يسمى «الحرب على الإرهاب» التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش على المنطقة وعموم العالم الإسلامي. اليوم ذهب بوش، كما ذهب خلَفُه باراك أوباما، وجاءت إدارة جديدة بقيادة دونالد ترامب، ولكن الوزارة مازالت تخضع للقوانين القديمة. لقد تغيّرت قواعد اللعبة الدولية، ولم يعد أحدٌ يتكلم أصلاً عن «تجفيف موارد الإرهاب المالي»، الذي كان من الخطأ أصلاً تطبيقه على الصناديق الخيرية في البحرين من الأساس.
خلال السنوات العشر الأخيرة، اختفت التنظيمات الإرهابية المعروفة كـ «القاعدة» وبرزت تنظيمات أخرى أشد شراسة، وشهد العالم حركة تمويل ضخمة للتنظيمات المتشدّدة تتهم فيها دولٌ بأسرها، ومع ذلك مازالت وزارة تنميتنا الموقرة تتبع «قواعد الاشتباك القديمة»، وكأننا نعيش في عصر السيف والرمح!
اليوم تشكو الصناديق والجمعيات الخيرية من هذه القيود، وتطالب برفعها وتصحيح طريقة التعامل الفوقية المتعالية معها، لتلعب دورها المساعد والتكاملي مع دور الوزارة، في تنمية المجتمع المحلي.
إن شهر رمضان الكريم بات على الأبواب، ودور المؤسسات الخيرية كبير جداً في دعم الأسر وتوفير احتياجاتها الأساسية، والمطلوب من الوزير جميل حميدان أن يتخذ قراراً سريعاً وشجاعاً لإنهاء تلك القرارات الإدارية المجحفة والمتخلفة والمعرقلة للعمل، والتخلص من تبعات مرحلة تجاوزها الزمن.
رمضان شهر الرحمة والتكافل والتواد الاجتماعي... فانتهزوا هذه الفرصة لتبدأوا صفحةً جديدةً بيضاء مع الصناديق والجمعيات الخيرية برفع هذه السلاسل الصدئة والأغلال القديمة البائسة، تيسيراً لحياة العوائل الفقيرة والأسر المتعففة في هذه البلاد.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/05/18