موقف الجزائر واضح من قمة الـ Cowboy
إسماعيل القاسمي الحسني
لا أعتب على أغلب الرموز السياسية و السلطوية العربية، لسبب بسيط و هو أن من أهم سماتها عدم القراءة، و إنما العتب على من يشكّلون النخبة المثقفة سواء تلكم التي اصطفت كبطانة سوء تنحت من الوهم مسوغات تبرر خيارات عمياء تعتمدها الأنظمة التي تدور في فلكها، و إن كان فيها هلكة محققة لمستقبل شعوب هذه الأمة المنكوبة، أو تلكم التي اختارت مواجهة هذه السياسات المرتهنة للعدو التاريخي التي تغفل عن جهل أو تجاهل دور الجزائر و قيمته المركزية.
لن أعود إلى مواقف الجزائر في التاريخ المعاصر على مر كل المنعطفات الخطيرة في السياسات العربية بقيادات أنظمة دول المشرق، بداية من عام 1967 حين تعرض الجيش المصري لهزيمة ماحقة على يد كيان العدو الإسرائيلي، و لن أتساءل: من أعاد تسليح الجيش المصري؟ و ماذا كان ليكون مستقبل مصر لو لم يتم إعادة تسليح الجيش المصري الذي كان العدو قد بلغ تخوم عاصمته؟ هذا الموقف المفصلي الذي عدّل كفة الميزان و أعاد لجمال عبد الناصر القوة و الطاقة، للتوجه مباشرة إلى استعادة سيناء، كثيرا ما لا يؤتى على ذكره بالمرة كأنما لا قيمة له. و لن أعود لموقف الجزائر حين سحبت الولايات المتحدة مصر إلى محورها عام 1979 لتنضم إلى اسطبل داوود. و لن أستعرض بقية المواقف من عام 1982 مرورا بالمفصل الخطير عام 1991 إلى غاية انطلاق “الهزيع″ العربي بداية سنة 2011، بدعم أمريكي مفضوح و تشريع عربي مكشوف.
كل تلكم المواقف لم تكن غير حلقات من سلسة مواجهة الجزائر للولايات المتحدة، التي بدأت عام 1783، نعم الصدام الجزائري/الأمريكي ليس وليد هذا القرن و لا القرن الذي سبقه، و إنما من قبل إعلان استقلال و تشكيل الولايات المتحدة، و بالمناسبة لم يكن صداما سياسيا فقط، و إنما عسكريا كذلك و جيو-استراتيجي، يمكنني القول بكل وضوح و صراحة أن لا دولة عربية معاصرة سبقت الجزائر إليه، لا خبرة و لا مناورة و لا معرفة و لا مجابهة.
كان يفترض في النخب العربية أن تبرز هذه الخبرة العالية، و كان يفترض في الزعامات العربية التي حاكت و تحاكي في انتفاخها صولة الأسد، أن تمتلك مثقال ذرة من العقلانية و الواقعية لتستفيد من هذه الثروة العربية المتفردة، بدل التكالب على الزعامة الوهمية.
الآن نقف على قمة في نجد، و قد وردت في نجد أحاديث صحيحة في الصحيحين البخاري و مسلم، تحت رعاية الكاوبوي الأمريكي، بعد أن انتهى القوم من قمة عقدت بجوار قرية سدوم التي ابتلعها البحر الميت و قد ورد بشأنها في القرآن نصا ما ورد؛ و يبدو أن الهدف الرئيسي لها هو إعلان الحرب على إيران، هذا الهدف المعلن منذ أسابيع قليلة على لسان نجل العاهل السعودي، يفرض بالضرورة التعاون مع كيان العدو الإسرائيلي، ما يستدعي حتما تهيئة الرأي العام العربي بكل الوسائل و منها منابر الحرمين الشريفين، لاعتباره العدو المحتل حليفا استراتيجيا و العمل معه فرض ديني و الاجتماع برعاته اجتماعا مباركا من الله، محروم من فوّته و آيس من رحمة الله من عارضه، و من بينهم الكاتب نفسه.
راجعت الصحافة الوطنية اليوم، بحثا عن رؤية الجزائريين لهذه القمة، فلم أقف عبر عشرة عناوين منها الثلاثة الأهم و الأكثر مقروئية على أثر للحدث، و هذا بحد ذاته له دلالته.
أما بالنسبة لحضور الجزائر فمع الأسف لم أتحصل على معلومة موثوقة، و إنما هناك تقدير بإيفاد وزير من الدرجة الرابعة هذا إذا استجابت لدعوة العاهل السعودي، تكون مهمته محصورة في قراءة واقع ما يأتمر به الزعماء العرب من مصائب تعود على شعوبهم تضاف إلى ما حققوه من كوارث غير مسبوقة في الشرق الأوسط، هدمت أركان دول و مزقت شعوبا و شردتها. فضلا عن خسائر الأرواح و الأموال التي تجاوزت ألفا و خمسمائة مليار دولار خلال السنوات الستة الخالية.
ختاما، لا أتوهم أبدا بأن هذه القمة ستفرض حلا لقرابة ألفي أسير فلسطيني يواجهون الموت المحقق في سجون كيان الاحتلال، و لا حلا لقضية القدس الشريف الذي بشّر الكاوبوي بأنه سينقل سفارة بلده إليها باعتبارها العاصمة الأبدية للكيان الإسرائيلي، فضلا عن جريمة قضم الأراضي و حصار غزة؛ كل هذا و غيره لم يعد له أدنى قيمة أو اعتبار لدى القادة و بطاناتهم؛ و إنما الهمّ الوحيد و الهدف الأول إعلان حرب جديدة على إيران (الفارسية الشيعية)، يكون وقودها أبناء هذه الأمة تحت عنوان “الجهاد”، و أموالها من خزائن الشعوب العربية و الإسلامية، تدخل مباشرة في خزائن الكاوبوي و ربيبته (الصليبية – اليهودية).
و الله المستعان على القادم من الأيام.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/05/21