تمزيق الكتب جيل التعبير التمردي
شتيوي الغيثي
مازال راسمو السياسات التعليمية بعيدين كثيرا عن استثمار واقع الطلاب وعالمهم الجديد والمتجدد باستخدام التقنية الإلكترونية الحديثة، ولذلك فإن استثمار هذه الأمور ليس شكليا كما يتصوره البعض
كلنا شاهد ذلك الحدث المدرسي الذي ربما صدم بعضنا، وهو تمزيق أطفال الابتدائي عددا من كتبهم المدرسية وإلقاؤها في الشارع. هذا الحدث تم نشره في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير لغرابته، أو لكونه ينم عن حادثة تعطي مؤشرات عن سلوك الطلاب خارج قاعات الدرس. والذي حدث من الجهات الرسمية في الوزارة أن كان اللوم على قائد المدرسة الذي تم إعفاؤه من مكانه، وهذا العمل هو مجرد عمل احترازي من الوزارة وإدارة التعليم التي وقع في نطاقها الحدث، لكن إعفاء القائد لا يحل المشكلة، وإنما هو مجرد تفاعل سريع حتى ينتهي الحدث، ثم يطويه النسيان من غير البحث عن المشكلة الحقيقية من وراء هذا السلوك للطلاب، ولعل أمر الإصلاح لا يعود على قائد المدرسة، بل يتعداه إلى المنظومة التعليمية ككل، بدءا من الأهداف العليا، وليس انتهاء بقائد المدرسة أو بالمعلم، لكونهما منفذين أكثر من كونهما راسمين للسياسات التعليمية، وهذا يصعب على الوزارة تبينه حاليا في حدث يمكن أن يكون عابراً لديهم، لكنه بالتأكيد ليس عابراً في الذهنية التربوية التي تحتاج أن تعيد النظر في كل شيء.
قبل سنوات كانت هناك عمليات لإصلاح التعليم، لكن الذي جرى أن هذا الإصلاح توجه إلى الكتاب المدرسي دون غيره، وبعض المدارس من ناحية استخدام أدوات جديدة داخل قاعة الدراسة كالسبورات الذكية وغيرها، لكنها كانت محدودة النطاق، وليست إلا تجربة لم تأخذ حقها من الانتشار، إذ بقيت على نفس المدارس التي حصلت على فرصة التطوير، وتم تجاهل بقية المدارس، وهذا الإصلاح التعليمي جرى في غضون سنوات قليلة، وصُرف عليه الكثير من الأموال. الكتاب المدرسي تمت إعادة النظر فيه، ويبدو أنه كان جيدا حسب تصوري من تصفح بعض الكتب، لكنه لم يكن محفزا للطلاب بأن يكون مثيرا لهم أو محفزا على تغيير نظرتهم إلى الكتاب بوصفه كتاباً مملاً، والدليل أن الطلاب يشترون كتباً أخرى، ويمارس بعضهم القراءة خارج إطار العملية التعليمية، فلماذا كان الكتاب المدرسي دائما دون الطموح؟ هذا السؤال يتم توجيهه إلى المعنيين في رسم السياسيات والأهداف للتعليم وإلى مؤلفي الكتب المدرسية.
هناك فجوة ضخمة بين من يرسم السياسات التعليمية وبين الواقع التعليمي، فالأجيال الجديدة هي أجيال تعبر عن نفسها بطرق عديدة لا يستوعبها الكبار. أبنائي يعبرون عن أحدث الطرق التي لا أستوعبها رغم أني في مرحلة الشباب، فما بالك بمن هم أكبر من ذلك. عالم الطلاب وواقعهم يختلفان تماما عما يوجد في المدارس. المدرسة أشبه بذلك السجن الذي يعاقب فيه الطلاب من غير ذنب. قد يكون التشبيه بالسجن تشبيهاً قاسيا، لكن الأكيد أنه عالم غير مريح للطلاب وغير مرض لطموحاتهم. فطموحاتهم أكبر مما تفرضه المدارس، وذهنياتهم تستوعب أكثر بكثير مما هو موجود في المدارس، لكن الأهم أن تؤدى الطريقة التعليمية بشيء قريب ومحفز لهم ليكون التواصل بين عالمهم خارج المدرسة قريبا من عالمهم داخلها.
هذا الكلام أصبح بديهياً لكل من مارس الحياة التعليمية، أو لاحظ أبناءه وكيفية تعاملهم مع الحياة، لكنه على بداهته مازال راسمو السياسات التعليمية بعيدين كثيرا عن استثمار واقع الطلاب وعالمهم الجديد والمتجدد باستخدام التقنية الإلكترونية الحديثة، ولذلك فإن استثمار هذه الأمور ليس شكليا كما يتصوره البعض، بل هو واحد من أسس تواصل الطلاب مع عالمهم الجديد. ماذا لو كانت المناهج مصنوعة على شكل تطبيقات وألعاب إلكترونية، يتم تحميلها على الجوال أو على الآيباد، ويمارس الطالب كل مناهجه على هذه الطريقة؟ أعرف أن هذه الطريقة ربما تحجم من فاعلية الكتاب المدرسي، المقصد أن يكون الآيباد رافدا للتعلم مع الكتاب المدرسي، بحيث يشكلان معا عالم الطلاب، ويقترب من عالمهم الحقيقي الذي يعيشونه خارج أسوار المدرسة.
الآن يولد الطفل وفي يده جوال، فيه أنواع الألعاب والتطبيقات الحديثة، ويفهم في التطبيقات أكثر بكثير من أبيه أو أمه اللذين اشترياه له، وفي هذا نوع من الوعي التقني والحديث الذي يحتاج إلى النظر فيه في صياغة المناهج في المدارس، بحيث تكون المواد التعليمية متطابقة مع الثورة التقنية الحديثة والاستفادة منها بشكل كبير جدا.
الطلاب الذين عبروا عن رفضهم للمناهج بطريقة تمزيقهم للكتب هم ذاتهم الجيل الذي يحمل العديد من التطبيقات، ويصور هذا الحدث بأحدث الوسائل الحديثة في التصوير. صحيح قد يكون هذا التعبير فوضوياً بشكل أو بآخر، وعفويا وليس مقصوداً به التمرد أو الرفض كما نؤوله نحن المهتمين بتشكل الرأي العام في السعودية، لكنه في رأيي تعبير غير مقصود عن هذه الحقيقة التي نحن نتجاهلها. هو رفض عفوي جدا قد مارسه طالب أو طالبان، ثم تحول إلى ظاهرة لدى الطلاب الذين شاركوا في هذا العمل. هو رفض عفوي وتمردي للمنهج لكونه غير محبوب، وهو رفض للقيمة المفروضة عليهم حتى لو كانت قيمة سليمة، لكن الفرض يجلب الرفض في بعض الأحيان، ولذلك فإنه رفض من حيث السلوك والذهنية.
لم نتساءل في حقيقة الأمر: لم فعل هؤلاء الطلاب ما فعلوا؟! ما الذي جعلهم يتمردون على واقع الكتب المنهجية؟ لم نتساءل إلى أي مدى قاد هؤلاء الطلاب لفعل ما فعلوا، ولأي مدى يكره الطلاب كتبهم ومدارسهم؟ ولم نتساءل بسبب هذا الحدث عن واقع مناهجنا وتوافقه مع أذهانهم الحديثة ذات الواقع التقني. حدث تمزيق الكتب يحتاج منا ليس إلى معاقبة الناس، بل إلى إعادة النظر في الكتب المدرسية، وجعلها أكثر تطوراً.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/05/21