إنتاج النفط الصخري يعقد إعادة توازن الأسواق
د. نعمت أبو الصوف
تخفيضات الإنتاج التي قامت بها دول "أوبك" خلال النصف الأول من عام 2017 وضعت أرضية لأسعار النفط بحدود 50 دولارا للبرميل، ولكن اتضح الآن أن هذا الدعم هش وليس بالمستوى المطلوب. السبب هو إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، حيث تشير بيانات الإنتاج، وعدد منصات الحفر وأرباح عمليات التنقيب والإنتاج إلى حقيقة أن الصناعة النفطية قللت مرة أخرى من مرونة النفط الصخري. مما لا شك فيه، أن موارد النفط الصخري لا تزال شديدة الحساسية لأسعار نفط أقل من 50 دولارا للبرميل. ولكن هذا القطاع يختلف اليوم عما كان عليه في الأمس ــــ هذه الحقيقة جعلت بعض المراقبين المعنيين بأسواق النفط يحذرون من أن عودة النفط الصخري إلى النمو من جديد تقوض انتعاش الأسعار. في هذا الجانب، تظهر أرقام الإنتاج الأسبوعية الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن إنتاج الولايات المتحدة يقترب من 9.3 مليون برميل في اليوم بزيادة 865 ألف برميل يوميا على مستوياته المنخفضة في تموز (يوليو) الماضي، وأقل فقط بنحو 300 ألف برميل في اليوم من 9.6 مليون برميل في اليوم المسجلة في حزيران (يونيو) 2015. هذا التعافي القوي وغير المتوقع في إنتاج النفط الصخري أجبر المحللين والوكالات على مراجعة توقعاتهم لإنتاج النفط الأمريكي، حيث إن تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لعام 2017 قد نقحت تصاعديا من 8.8 مليون برميل في اليوم في كانون الأول (ديسمبر) إلى 9.2 مليون برميل في اليوم. كما أن ارتفاع عدد منصات الحفر، إضافة إلى الفارق الزمني بين منصات الحفر الجديدة وبداية الإنتاج، قد يؤدي إلى طفرة أخرى في الإنتاج في النصف الثاني من عام 2017، في حين أن نموا أكبر خلال عام 2018 قد يؤدي إلى رفع الإنتاج الأمريكي فوق عشرة ملايين برميل في اليوم، على افتراض بقاء أسعار النفط في حدود 50 دولارا للبرميل أو أعلى. في المراحل الأولى لتطوير موارد النفط الصخري أعطت شركات النفط الأولوية إلى احتياجات أصحاب الأرض Leasehold، وهو ما يعني فعليا حفر آبار في مساحات واسعة من الأراضي للحفاظ على امتياز التنقيب فيها. ولكن مع الوقت اتخذت الصناعة عدة قفزات. أسفرت هذه القفزات عن عمليات حفر سريعة، عمليات إكمال آبار أكثر كفاءة وتصاميم آبار أفضل، وفي الوقت نفسه اعتمدت الشركات منذ ذلك الحين نهجا أكثر شمولية في تطوير موارد النفط الصخري. ومن خلال توافر معلومات ضخمة عن التشكيلات، تقنيات التشغيل الآلي والرصد، استغلال أمثل للمساحات، واختيار أفضل لمسار الآبار، قام قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة بزيادة عدد الآبار التي تعمل بأقل من 50 دولارا للبرميل، ما مكنه من إنتاج مزيد من النفط بتكلفة وعدد آبار أقل. لقد كان استخلاص أكثر من مليون برميل من النفط المكافئ حصرا على آبار تشكيلات باكن Bakken في شمال داكوتا، لكن الآن هذه الآبار الغزيرة الإنتاج منتشرة في مناطق أساسية من الحوض البرمي Permian Basin، الإيجل فورد Eagle Ford وغيرها. لقد أدت عمليات استكمال الآبار الأكبر والأكثر كفاءة، والفهم الأفضل لمكامن الآبار الأفقية إلى تحسين معدلات الاستخلاص، في حين أن توحيد العمليات والبيانات سمح للشركات باختيار الطول والمسار الأمثل للآبار لاستنزاف هذه المكامن بكفاءة أكبر. على سبيل المثال، تمكنت شركة بايونير للموارد الطبيعية من إضافة ما يقرب من 40 ألف برميل في اليوم إلى إنتاجها هذا العام مقابل 2.5 مليار دولار؛ في عام 2014، احتاجت الشركة إلى ثلاثة مليارات دولار لإضافة فقط 26.5 ألف برميل في اليوم. كما تمكنت شركة أوكسيدنتال من مضاعفة عدد المواقع في تشكيلات الحوض البرمي التي تحتاج إلى أسعار نفط قرب 50 دولارا للبرميل أو أقل، من المتوقع أن تضيف 400 موقع آخر هذا العام. جميع هذه الإنجازات تدعم جهود قطاع النفط الصخري للتصدي لارتفاع تكاليف الخدمات مع زيادة نشاط الحفر. هذه التطورات في قطاع النفط الصخري أنعشت التوقعات بأن إنتاج النفط الأمريكي يمكن أن يعود إلى معدل نمو سنوي في حدود مليون برميل في اليوم حتى لو أن القيود على ميزانيات الشركات تحد من الاقتراض. مع ذلك، هناك عديد من العوامل يمكنها أن تعطل انتعاش النفط الصخري ـــ بما في ذلك تأخير خدمات الحقول وتعبئة المعدات، وارتفاع أسعار الخدمات أكثر مما كان متوقعا، وبطبيعة الحال، انخفاض أسعار النفط. إن ارتفاع أسعار النفط ضروري لتحقيق نمو سنوي قدره مليون برميل في اليوم، في هذا الصدد يقول بعض المحللين إن هذا يمكن أن يتحقق عند أسعار نفط قرب 55 دولارا للبرميل. الجدير بالذكر هنا هو أن مؤشر النفط الخام، غرب تكساس الوسيط، في الولايات المتحدة لم يشهد أسعارا عند 55 دولارا للبرميل في غضون عامين تقريبا، وستحتاج الشركات إلى أسعار مستدامة لاستجابة النشاط.
من الممكن أن يستمر النفط الصخري بالنمو عند أسعار 45 دولارا للبرميل ـــ وإن كان بمعدل أبطأ ــــ ولكن 40 دولارا للبرميل سيعوق النمو في عام 2018، حيث إن المنتجين يحققون استقرارا في الإنتاج. تحوطات الشركات شبه القياسية قد تساعدها على تخطي المرحلة المقبلة حتى نهاية هذا العام إذا كانت الأسعار ضعيفة إلى حد ما، وأسواق النفط لا تزال في طريقها إلى إعادة التوازن. في عام 2014، أساءت "أوبك" إلى حد ما تقدير قدرة النفط الصخري على مواجهة انخفاض أسعار النفط، ويبدو أنها فوجئت أيضا بانتعاشه في عام 2017. وهذا يمثل معضلة للمنظمة في اجتماعها هذا اليوم: إذ يمكن أن يؤدي تمديد خفض الإنتاج إلى ارتفاع الأسعار، ولكن كل دولار فوق 50 دولارا للبرميل قد يسهم في جلب مزيد من النفط الصخري، وهو ما يُعقد إعادة التوازن. في المقابل، قد تعود "أوبك" إلى إستراتجيتها لعام 2014 وتترك الأسعار تحركها قوى السوق الأمر الذي يسمح للأسعار بالتراجع للحد من نمو النفط الصخري. لكن، على ما يبدو أنه ليس هناك رغبة في العودة إلى هذه الإستراتيجية في الوقت الحاضر، خاصة أنها لم تنجح كثيرا في الحد من النفط الصخري كما هو مأمول.
صحيفة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/05/24