هذه ليست جزائر الشهداء و إنما جزائر صالح Vespa و فيليب le dingue
إسماعيل القاسمي الحسني
نعم أيها السادة، الشعب الجزائري عرف وطنه بثورة مجيدة، سطّر فيها الشهداء ملاحم بطولية، تزيّن بها جبين الإنسانية فخرا، بل الشعوب العربية و الإسلامية لم تعرف الجزائر إلا بعنوان شهداء الثورة، و أبعد من ذلك كل أقول: شعوب العالم تكن للجزائر مكانة مرموقة و احتراما متميزا لسبب وحيد في الأصل، و هو دماء و أرواح الشهداء. كان يفترض استثمار هذه التضحيات الجسام، و البناء عليها لقيام دولة عزيزة الأركان مرصوصة البنيان، قوية بلحمتها الوطنية، حية بثرواتها اللامحدودة، كان يفترض أن يبسط العدل سلطته، و أن تتولى الكفاءات و ليس غير الكفاءات مقاليد إدارة شؤون بلد قدم شعبه في سبيل ذلك ما لا يمكن أن يزايد عليه أحد. لكن هل واقع الجزائر اليوم يعكس صورة جزائر الشهداء؟
دون أن يختفي المرء خلف إصبعه، و لا يحتاج لوقت طويل حتى يقف على الجواب الصحيح و الصادق يقول حتما: لا، هذه ليست جزائر الشهداء، بل يستحيل أن تكون كذلك، بل أذهب بعيدا لأقول: الشهداء أشرف و أنبل من حالة القذارة و العفن و الإفلاس التي أزكمت روائحها أنوف العالم؛ و أكاد أجزم لو استنطق الشهداء اليوم لتبرؤوا من هذه الحالة المزرية، التي اخترقت بسقوطها الشاقولي قاع كل جانب من جوانب حياة مجتمع و شعب.
في أي جزائر نعيش اليوم؟
شخص نكرة يتم إعلان تعيينه وزيرا عبر الوسائل الرسمية للسلطة المتحكمة، و خلال أربع و عشرين ساعة يصدر بيان رسمي آخر من نفس الجهة السيادية المسؤولة، يحمل في طيه إقالة هذا الوزير، و الحجة أقبح من الجناية، مهزلة ما بعدها مهزلة، جعلت الجزائر موضع تندر و سخرية.
ساعات قليلة و تخرج الأخبار بشكل رسمي عن و-زير سابق للشؤون الدينية و الأوقاف، نعم الشؤون الدينية و ليس غيرها، يطلق الرصاص الحي من مسدسه على زوجته في رمضان. من هؤلاء ؟ و أين نحن؟ و أي جزائر هذه؟
قطعا ليست جزائر الشهداء العربي بن مهيدي و الحواس و عميروش و عبد الرحمن طالب و محمد شعباني و حسيبة و غيرهم ممن تفخر بأسمائهم السماء قبل الأرض، هذه جزائر أخرى.
إنها جزائر صالح فيسبا و فيليب لو دانغ (فيسبا نوع من الدراجات النارية/ لودانغ مفردة فرنسية تعني مجنون) هاتان الشخصيتان ليست من خيال الكاتب، بل من صميم و قلب السلطة في الجزائر، و من أخطر أذرعها التي كلفت بمهام قذرة حقيرة، بدأ مشوارها العملي مع الاستقلال، لا يعرفها عامة الشعب الجزائري، لكني على ثقة و يقين بأن الرموز العليا جدا للسلطة الجزائرية تعرفهما جيدا.
جيئ بالرجلين من التحوت، مشوارهما المهني خاصة (صالح فيسبا) كان سرقة حقائب النساء و الرجال، هذا ما يملكان من معرفة و تاريخ عملي، و تماما مثلما نشاهد في بعض العواصم العربية كالجزائر و تونس و القاهرة، شابان على رداجة نارية يدخلان زحمة السيارات، يتصيدان من يحمل في يده هاتفا نقالا، يختطف احدهما و ينطلقان بسرعة، و يستحيل أن يلحقهما الضحية و يترك سيارته في منتصف الزحمة.
نعم الصالح فيسبا و فيليب لودانغ جيء بهما من هذا المحيط العفن المتفسخ، و ولي الأول مهام الأمن العام على العاصمة الجزائر، و للمفارقة اختير له المقر الحالي لحزب جبهة التحرير الوطني، ليمارس فيه بمعية رفيقه أبشع الجرائم و أقذرها، في حق مواطنين شرفاء لا جريمة ارتكبوها غير معارضة السلطة في سياستها، و أولها الاعتماد في تسيير شؤون دولة و شعب على مثل هذه العينات من الصعاليك و الذئاب المتفلتة العقال.
و اللافت أن هاذين الرجلين تم إدماجهما في وزارة الشؤون الخارجية، و ليتوليا مناصب السفراء و القناصل في عواصم غربية، خاصة منها تلكم التي شهدت تصفيات جسدية لقيادات ثورية و سياسية معارضة جزائرية؛ و هذا المشوار المهني الإجرامي تم في المرحلة التي كان يقود فيها رئيس الجمهورية الحالي الدبلوماسية الجزائرية حينذاك.
الشيء إذن من معدنه لا يستغرب، و ماذا يمكن أن ننتظر من حزب ورث مقر صالح الـ Vespa؟ لا يبدو أن ما كان يرتكب داخل ذلك المقر اللعين قد تغير، اللهم إلا القفازات و ربطات العنق؛ السلوك واحد و النماذج البشرية من بيئة لا تختلف، و الأهداف واحدة و العمليات و إن اختلف مظهرها فالجوهر واحد، من إعدام للأخلاق و القيم، مرورا ببتر كل أعضاء الروح الوطنية، وصولا إلى التعذيب بأدوات المحسوبية و الرشا و المناطقية و العنصرية المقيتة.
ليست هذه جزائر الشهداء، و لا حتى جزائر صالح الفيسبا و فيليب لودانغ، بل باتت جزائر مائة ألف فيسبا و مائة ألف دانغ، وزراء Vespa و رؤساء أحزاب من أقصى لأقصى الشمال Dingues.
الجزائر بلد عظيم، و شعبها شعب كريم و أبي و مقدام، لا أدري صراحة ما الحكمة من ابتلائه بطبقة متحكمة فيه، تكبّل طاقاته و تهدم مقوماته و تنهب ثرواته و ترهن مستقبله؟ في ظروف و متغيرات و عواصف جاء بها الهزيع العربي، أهلكت دولا و شرّدت شعوبا عربية.
هذه الطبقة المتحكمة و بطانة السوء و العفن التي التصقت بها كما العلق بالدواب الجرباء، لم ترقب في هذا البلد تاريخا مجيدا و في هذا الشعب الأبي إلاّ و لا ذمّة.
عزائي حين أتأمل مشهد الجزائر المأساوي، في السنُّة الكونية أن دوام الحال من المحال، لكني أخشى و هذه مقدمات السياسة العمياء، من نتائجها عند التحول لن تكون إلا غيابة جب لا قاع له، و الحال أننا نعاين ذلك في عالمنا العربي، الذي رماه سوء حظه بحكّام انسلخوا من كل قيم الأمة، دينية و حضارية و ثقافية.
و الله المستعان على قادم الأيام. فقد يحدث الله بعد ذلك أمرا.
فلاح جزائري.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/05/31