لم يبق أمام الشعوب العربية ما يهددونها به
فؤاد البطاينة
ما تواجهه المنطقة العربية هي حرب نوعية تشن تحديدا على الشعوب العربية تستهدف كياناتها السياسية من ناحية ، وثقافتها وعيشها المشترك بأطيافها وطوائفها وأعراقها من ناحية ثانية، وحين تصل شظية إلى الدول الأوروبية باسم العرب والمسلمين فإنما من قبيل التحذير لها والتجييش كونها دولا تتعاطف مع القضية الفلسطينية وترفض الاحتلال وتحتضن كتلا بشرية عربية ومسلمة تشكل مخزونا عربيا حرا ومؤثرا. وهذه الحرب لا يوقفها إلا صانعها ولا يواجهها ويفشلها إلا المستهدف الحقيقي منها.
حرب لا يشنها إلا تناقض وجودي أساسي لا يعقل أن يُعلِن عن نفسه لقذارة هذه الحرب وجبنها ولا إنسانيتها ، ولما سيتلقاه هذا التناقض من هجمة عالمية عليه تخرجه عن سياق الخطاب الإنساني والدولي المعاصر. إنها الصهيونية العالمية صاحبة هذه لمصلحة وهذه الثقافة ، والقابضة على المقود الأمريكي والمتحالفة معه فكرا ونهجا ومصالحا. هذا المقود الذي عمل بموجب هذا التحالف وأهدافه ونهجه الاستعماري على الأسهام مبكرا في إنشاء دول وقيادات عربية ما زالت تسهم سياسيا وتمويليا في هذه الحرب وأهدافها.
وعلينا أن نتذكر أن الإرهاب المتعارف عليه اليوم كسلوك عنفي يوجه مباشرة على طرف ثالث بريء من قبل أحد طرفي الصراع بهدف الضغط لتحقيق غرض لا يتحق بالمنطق السياسي والعسكري والدبلوماسي والقانوني والأخلاقي ، هو سلوك موجود كفكرة وممارسة في تاريخ كتبة التوراة الذي فصَّلوه لأنفسهم وعبروا عنه بشفافية في العهد القديم.
إذا كنا أمام خيارات إيقاف هذه الحرب الإرهابية أو الحرب عليها أو مواجهتها، فإن من يوقفها ويحدد التوقيت والبرنامج وأدوار الآخرين في إيقافها هو صانع هذا الإرهاب الذي نفسه يسهل تمويله أو يؤمنه أو يأمر الآخرين بصرفه وأعني التحالف الصهيو- أمريكي، وهو بالتأكيد من يوجه الإرهاب حركة وفعلا ، فالأمر ليس بيدنا بل بيد عدونا. أما الحرب على هذه الحرب فهي بدون صانعها وممولها صعبة وعبثية ، والتحالف الدولي أو الدول الأوروبية بالذات تعرف الحقيقة وبأنها حرب جهات لا مصلحة لها في معاداتها ولا قدرة لديها على اختراقها.
أما الدول العربية فعلاوة على أنها في موقع العاجز عن الدفاع عن النفس أو الهجوم، فإنها ليست صاحبة القرار. وليست ضرباتها العسكرية للإرهاب في سياق الحرب على الإرهاب ، بل في سياق إعلامي لتهدئة الوضع الداخلي في دولها عندما تتعرض شعوبها لعمل إرهابي، وليس مُهماً حتى ضرب جهة أخرى عبثا أو لغاية سياسية إذا تعذر ضرب الجهة المسئولة. ولا تكترث هذه الدول في سلوكها وإخراجها للضربة وبما تثيره من أسئلة فاضحه تكشف زيف النية كغيرها من الدول في محاربة الإرهاب. فعندما تتعرض دولها للإرهاب مباشرة تبادر للإعلان عن الانتقام ، فيثار السؤال لماذا لم تهاجم قبل حدوث الحدث ولماذا لا يهمهم إن كان المستهدف ليس من أعلن مسئوليته عن العمل الإرهابي.
إن عدم سلامة النية أو المقدرة على محاربة الإرهاب ينسحب أيضا على الدول الأوروبية والدول الأخرى من تلك التي لا علاقة لها بصنع الإرهاب . ولا دور لها أو تأثير في إنهائه إلا في الإطار الذي تفرضه أمريكا والصهيونية . ومن هنا فإنها وأعني الدول الأوروبية تضرب الإرهاب بشكل استعراضي في حالة تعرضها لعملية إرهابية بغرض تهدئة وإرضاء شعوبها ، تماما كما يفعل العرب . وهو ما لاحظناه على سبيل المثال بعد تعرض فرنسا وبريطانيا لأعمال إرهابية ، رغم أن توقيتها كان بظرف متشابه قُبيل الانتخابات . مما يؤكد أنه إرهاب سياسي منظم ليست داعش بصدده بل بصدد تنفيذه .
تبقى الشعوب العربية وحدها المعنية بمواجهة مُخَطط ، ومخطِطِي هذه الحرب الشاملة عليها بدءا بتشكيل وعي جمعي على الحقيقة والاستجابة إليها .وعليها في هذا أن تعلم بأنه لم يبق أمام مخطِطي ومشعلي هذه الحرب وأعوانهم ما يهددونها به كشعوب . وبأن حكامها كأشخاص هم الواقعين تحت الابتزاز في مواجهة خيار الربح أو الخسارة ، وإنهم رضخوا للابتزاز ويتعاملون معه ويستجيبون . وأصبحوا يجاهرون بانسلاخهم عنها والتحامهم مع مصالحهم الشخصية جاعلين من الشعوب العربية وأوطانها ودولها ومقدراتها وسيلة للوفاء بالتزاماتها وثمنا لسلامة البقاء في السلطة.
المعطيات تشير إلى أن الشعوب العربية في حالة تراجع قومي ووطني ، وأنها مستسلمة للواقع السياسي وتبحث عن خلاص من الواقع المعيشي الضاغط بلا توقف . إلا أن الواقع السياسي العسكري سيلاحق معظمها في دولها فالحرب شاملة وما أن يتبلور الحل المستهدف في دولة حتى تبدأ الحرب في التالية. وإن الأردن الذي كان وضعه السياسي الأكثر غموضا أصبح الأكثر وضوحا . فرج سياسي إسرائيلي يقابله فرج اقتصادي واستقرار إردني . معادله تتشكل منذ عقود ولا معطيات على الأرض لمواجهتها.
كاتب أردني
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/06/02