تمديد خفض الإنتاج وتأثيره في أسعار النفط
عثمان الخويطر
أمر في منتهى الغرابة، والحديث بطبيعة الحال عن أسعار النفط. فهناك - دون شك - غموض قديم ومستدام، يحيط بجميع جوانب صناعة النفط، من احتياطيه إلى كميات إنتاجه إلى ذروة عطائه إلى عمر إقامته في متناول أيدينا إلى تسارع تذبذب أسعاره، والتنبؤ بمستقبلها ليس استثناء عن قاعدة الغموض. فعندما اتفقت أطراف تصدير البترول في أواخر عام 2014 على إجراء تخفيض في الإنتاج في حدود مليون و800 ألف برميل من الإنتاج العالمي، أدى ذلك فقط إلى وقف تدهور الأسعار واحتمال انخفاضها إلى مستويات متدنية. واستقر السعر قريبا من 50 دولارا للبرميل، مرة يزيد قليلا ومرة ينخفض مؤقتا. وأرى أنه كان من المفترض أن تكون مدة التخفيض مفتوحة وقابلة للتمديد تلقائيا. وعلى الرغم من أن تخفيض الإنتاج آنف الذكر حال دون تدهور سعر البرميل إلى ما دون 40 دولارا، إلا أنه أيضا لم يساعد على رفع السعر إلى المستوى المطلوب، فوق 60 دولارا، على سبيل المثال. واستمر وضع السوق النفطية هادئا إلى حد ما، مع احتمال وجود شيء من عدم التقيد بالتخفيض كاملا من بعض المنتجين، وتعمد دول أخرى رفع الإنتاج، مثل إيران والعراق وليبيا.
وعندما حان وقت تمديد الاتفاق، الذي كان يهدف أو متوقعا أن يرفع السعر قليلا، حدث ما لم يكن في الحسبان. كان رد فعل الأسعار الهبوط، بدلا من الصعود، أو على الأقل التماسك عند المستوى السائد. وهو أمر لم يكن مستغربا، نظرا لطبيعة أسواق النفط كما عهدناها خلال العقود الماضية. فنحن لا نزال نذكر قفزة سعر البرميل عام 2008 من أقل من 100 دولار إلى 147 دولارا للبرميل. هكذا، وبدون سابق إنذار. وهبوطه خلال أشهر قليلة إلى ما يقارب 35 دولارا، دفعة واحدة وكأنه أمر عادي. والسؤال المحير: ما أسباب الحركة السلبية للأسعار غداة انفضاض الاجتماع الطارئ الذي عقدته أخيرا منظمة أوبك، أملا في رفع السعر وليس خفضه؟ وهل كان هناك فائض في السوق غير معروف المصدر، وكان يجب التخلص منه قبل عقد الاجتماع؟ أم أن بعض الأعضاء الذين أبدوا استعدادا في بادئ الأمر للتخفيض بنسب مختلفة لم يكونوا جادين؟ فمن الصعوبة بمكان أن نحسن تخمين أسباب ما حدث دون دليل أو تصريح من أصحاب الشأن.
ولتعد بنا الذاكرة إلى ما قبل ثلاث سنوات، عندما كان فائض الإنتاج الذي أدى إلى النزول الكبير للأسعار، بدءا من منتصف عام 2014، في حدود مليوني برميل، أو ربما أقل من ذلك. وكان من المفترَض آنذاك أن تضيف إيران والعراق، بعد رفع العقوبات وعلى التوالي، مليوناً ومليوني برميل يوميا، على وجه التقريب. وأخيرا أضافت ليبيا إلى إنتاجها، بعد تحسن وضعها السياسي نسبيّا، أقل بقليل من نصف مليون برميل. كما أن النفط الصخري الأمريكي قد بدأ بإضافة كميات لا بأس بها. لكن، في المقابل، الطلب العالمي المتصاعد على النفط ارتفع خلال السنوات الثلاث الماضية بما يقارب أربعة ملايين برميل في اليوم، بمعدل سنوي قدره مليون و200 برميل. ولذلك كان من المنطق والمأمول أن المليون و800 ألف برميل التي اتفق المصدرون على تخفيضها أواخر عام 2014 كافية لإزالة الفائض في العرض، الذي كان السبب الرئيس لانخفاض الأسعار. وهو ما لم يحدث. فأين يا تُرى الخلل؟ نخشى أن حسن النية من قِبَل البعض، ونحن لا نتهم طرفا بعينه، لم يكن عند المستوى المطلوب. مع العلم أن السنوات القليلة الماضية كانت تشهد تخزينا كبيرا من عدة جهات، خصوصا في ناقلات البترول المؤجرة، التي ربما لم تكن في وضع تشغيلي يسمح لها بنقل البترول من موانئ التصدير إلى موانئ الدول المستهلكة، فأصبحت تلك الناقلات مكانا مناسبا للتخزين. ومنها تستطيع الدول التي كانت لديها فوائض إنتاج سحب أي كمية تريدها للبيع، إضافة إلى إنتاجها الطبيعي. هذه الكميات، إن تأكد دخولها السوق فستؤثر سلبا في الأسعار لزمن طويل. والاحتمال الآخر هو رفع كمية الإنتاج من بعض الدول دون إعلان عن ذلك. وهذه كلها تخمينات، إذ ليس لدينا ما يثبت أياً منها.
ولعله من نافلة القول أن نذكر بأن توقعاتنا على مدى عقد أو عقدين، بالنسبة إلى ما هو حاصل اليوم في السوق النفطية، انحسار دور السياسة فيما يخص رفع أو خفض سعر البرميل، والسبب الرئيس يتمثل في احتمال تحول الفائض النفطي الحالي إلى شح في المعروض، فلا يصبح هناك مجال للتأثير في الأسعار عن طريق ضخ كميات أكبر مما قد تتحمل السوق، كما يحدث اليوم. وهذا الاستنتاج مبني على ظاهرة استمرار نمو الطلب العالمي على مصادر الطاقة وعلى الوضع الحالي والمستقبلي لمعظم حقول النفط التقليدي، التي قد بلغت ذروة الإنتاج منذ زمن طويل، في شبه غياب تام لأي اكتشافات جديدة.
صحفية الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/06/04