طريق الحق وأبواب السلطات المشبوهة
علي آل غراش ..
طريق الحق واحد وواضح ومستقيم، بينما الظلم والطغيان والاستبداد والفساد والتلاعب والخداع والاستغلال وسياسة المصالح لها طرق عديدة وأبواب كثيرة جدا تتبدل وتغيير وتتلون حسب المصلحة.
الوقوف على أبواب السلطات ومدح الحكام وبالخصوص الظالمين المستبدين الفاسدين الملطخة أيديهم بقتل الأبرياء، باسم المداراة والمصالح العامة وبتبريرات وحجج كثيرة ..، تتنافى مع قيم الحق والعدالة، ومبادئ مدرسة الإمام علي والأئمة -ع- ومسيرة محبيه الذين قدموا الأرواح لأجل التمسك بهما. فقد قال - عليه السلام -:(إذا رأيت العلماء على أبواب الملوك فقل بئس الملوك و بئس العلماء، وإذا رأيت الملوك على أبواب العلماء فقل نعم الملوك و نعم العلماء).
فالإمام علي - عليه السلام - يحث على أن يكون التعامل والتعاطي مع أي قضية حسب مقياس الحق والحقيقة والعدالة فقد قال(ع) : «..وَلْيَكُن أحَبُّ الأُمُورِ إِلَيكَ أَوْسَطُها في الحَقِّ وَأَعَمُّها في العَدل».
قيل أن الظالم المستبد يستمر في ظلمه لأنه لم يجد من يمنعه ويقاومه، ولهذا الإمام علي (ع) قد حذر من التعامل مع السلطات المستبدة الظالمة، ومن مدحها ووضعها في محل ومقام عالي لا تستحقه لأن ذلك سيجعل الظالم يزداد في ظلمه ولن يسلم من مدحه قال الإمام :(إذا وضعت أحدًا فوق قدره فتوقّع منه أن يضعك دون قدرك).
السلطات الظالمة المستبدة القاتلة تستخدم كافة الأساليب للسيطرة على الشعب، ومنها استغلال العلماء والوجهاء لسياستها، وللأسف هناك من يتنازل لها ويؤيدها ويمدحها لإنقاذ نفسه وبمبرر المصلحة العامة والمداراة وفن السياسة. وهذا الأسلوب لا يتناسب مع مبادئ وقيم مدرسة الإمام علي ومن يتخذه وليا ومن مسيرته منهجا وشريعة، ومن طبيعة الأحرار أنهم يؤمنون بالحق ولا يتنازلون عنه حتى لو كلف ذلك دفع الأرواح، بينما العبيد عبيد المصالح والدنيا يؤمنون بمن لديه القوة والسلطة، ولو أدى إلى قتل الأبرياء فلديهم لكل شيء تبرير.
علماء ووجهاء وقتل الأبرياء
إذا كان قتل البريء برصاصة جريمةً فإن تأييد القاتل باسم الدين (العلماء) والمجتمع (الوجهاء) جريمة أكثر بشاعة إذ من خلال ذلك يتم إزهاق الأرواح البريئة باسم الدين والمجتمع.
يقال أن حاكما ظالما ثار عليه الشعب يريدون الإصلاح وتحقيق العدالة في البلاد، ونتيجةً لعجز الحاكم عن القضاء على الثورة والحراك الشعبي رغم قيامه بأبشع أساليب القمع والعنف والاعتقال والتعذيب والقتل، قام بجمع علماء ووجهاء المجتمع وخيرهم بين خيارين الخيار الأول : أن يقوم كل شخص بقتل أحد الثوار
الخيار الثاني: أن يصدروا بيانات ويتحدثوا أمام الناس بأن الحاكم هو ولي أمر صالح وحاكم عادل، وكل من يخرج عليه فهو معتدٍ مجرم ومارق يستحق القتل.
رفض العلماء والوجهاء الخيار الأول لأن فيه قتل وسفك دماء الأبرياء وهذا حرام وجريمة كبرى.
فاختاروا الثاني وقد برروا لأنفسهم بمبرارات منها المداراة والسياسة، وأن وجود الحاكم الظالم أفضل من الفتنة، وأنهم يستعملون التورية فمقصودهم من حرمة الخروج على الحاكم هو الحاكم العادل!. وأن الله أعلم بما في قلوبنا!!.
عندما اختار العلماء والوجهاء الدعاء والثناء والمدح للحاكم والتنديد وتأييد قتل كل من يخرج ضده، قام الحاكم بقتل الثوار ومن يؤيدهم ودمر بيوتهم، أهالي الضحايا حملوا المسؤولية للعلماء والوجهاء وأنهم هم من أعطوا الحاكم الذريعة لقتل الأبرياء.
فحدثت فتنة داخل المجتمع وذهبت أرواح كثيرة، ولم تستقر الأوضاع في البلاد، .. ولكي يحقق الحاكم الهدوء ويكسب الشعب الغاضب، قال كل ما حدث من أخطاء كانت بسبب آراء العلماء والوجهاء فهم من قالوا عن أبنائكم بأنهم مارقون وقتلة ومفسدون وقد ساهموا بسفك الدماء. فهجم الشعب عليهم وتم محاكمتهم.
العلماء الحقيقيون الذين يتكلمون باسم الدين، ينبغي أن يكونوا أبطالا و في طليعة رفض الظلم والفساد، والدفاع عن المظلومين، وأن يكونوا بعيدين عن أبواب السلطة واجندتها كي لا يتم استغلاهم في تحقيق مآربها وأهدافها.
نعم أن رصاصة واحدة ربما تقتل شخصا ولكن تأييد الجلاد بفتوى ورأي بقتل الناس فهو أعظم من الرصاصة لأنه يساهم بقتل عدد كبير من الناس الأبرياء باسم الدين والمجتمع.
عالم الدين الحقيقي هو الذي لا يساوم ولا يتلون حسب المصالح والسياسة. فالحق واحد وواضح وبين، ومن وضع نفسه موضع التهمة فلا يلومن إلا نفسه.
وقد نبه الإمام علي (ع) إلى أهمية معرفة الحق والباطل، وإتباع الحق والحقيقة فقط والحذر من الأشخاص مهما بلغوا من مكانة علماء أو وجهاء يقول (ع) : (..، إن الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله). ويحذر الإمام علي (عليه السلام) المجتمع من الضعف أمام الأهواء والمغريات الدنيوية أو بسبب الخوف من إرهاب السلطة الدموية، ومن الشبهة ومن الذين تشابه عليهم الحق لخطورتها، فقد قال (ع): (وإنما سميت الشـبهة شـبهة لأنها تشبه الحق).
وعندما يحدد طبقة العلماء بالتحذير الشديد من الوقوف على أبواب السلطات المستبدة، لأهمية دور العلماء في المجتمع، وعدم استغلال الدين وتشويه سمعته وحدوث الفتنة بين الناس وتسقيط العلماء، قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع) :(إذا رأيت العلماء على أبواب الملوك فقل بئس الملوك و بئس العلماء، وإذا رأيت الملوك على أبواب العلماء فقل نعم الملوك و نعم العلماء).
من يريد طريق الإمام علي، وهو طريق مليء بالتحديات والصعوبات، عليه أن يقدم التضحيات، وأن يتمسك بالحق وان قل سالكه، وأن يستوحش الباطل مهما كثر مؤيديه والمصالح. قال الإمام - عليه السلام -: «أَفْضَلُ النّاسِ عِندَ اللّهِ من كانَ العَمَلُ بِالحَقِّ أَحَبُّ إِلَيهِ وَإنّ نَقَصَهُ وكَرّثَه، مِنَ الباطِلِ وَإِنْ جَرَّ إِلَيهِ فائِدَةً وَزادَهُ».
على الأحرار الشرفاء أن يكونوا مع المظلومين وان يدعموا ويتضامنوا ويساندوا المناضلين لأجل الإصلاح ومقاومة الظلم والفساد فقد قال الإمام (ع) في آخر لحظات حياته: (كونوا للمظلوم عونا وللظالم خصما). وكذلك الحذر من الحكومات الظالمة المستبدة المفسدة القاتلة التي تعتقل وتعذب الأبرياء وتسرق الخيرات وتحرم العباد من حقوقهم، وتحاول أن تستغل كل شخص وبالخصوص العلماء والوجهاء بما يخدم مصالحها وأهدافها، فينبغي الحذر كذلك من كل شخص يمدح ويمجد سياسة السلطة البعيدة عن الحق والعدالة.
ما أحوج شعوب العالم للتعرف على بعض معالم شخصية الإمام علي - عليه السلام- العظيمة ليعيش الإنسان وكل البشر في ظل الأخوة الإنسانية في عدالة واستقرار وأمان وسلام، قال الإمام علي: الناس صنفان: أما أخ لك في الدين أم نظير لك في الخلق.
السلام عليك يا أمير المؤمنين يا علي بن أبي طالب، سلام عليك يا إمام الحق والعدل، يا صوت العدالة الإنسانية الخالدة، والضمير النابض بالمحبة للإنسان والعطاء والتضحية والآباء. سلام عليك يوم ولدت في أطهر بقعة ويوم استشهدت في محراب الصلاة، ويوم تبعث حيا.
أضيف بتاريخ :2017/06/18