رواتب الأسرى وأسر الشهداء
عبد الستار قاسم
أمريكا تضغط من أجل قطع رواتب الأسرى وأسر الشهداء، وكذلك يفعل الكيان الصهيوني. أمريكا تهدد بوقف الدعم لسلطة اللاسلطة إن استمرت بصرف هذه الرواتب، والكيان الصهيوني يقرر خصم قيمة هذه الرواتب من أموال الضرائب والجمارك المفروضة على البضائع المستوردة من قبلنا، والتي يتم دفعها للسلطة كل شهر بعد إجراء الخصومات التي يقدرها الصهاينة. وإذا تم تطبيق هذا القرار فإن ميزانية السلطة ستعاني من ضائقة شديدة، ولن يكون أمامها إلا الانصياع لأوامر الأسياد الذين يتحكمون بالأموال. وبالتالي ستزداد معاناة أسر الأسرى والشهداء، وسيجد المعتقلون أنفسهم في ضائقة مالية شديدة. أغلب أسر الأسرى والشهداء تعاني من قلة الأموال، وقطع الرواتب عن هذه الأسر سيرفع من حدة الأزمة المالية لديها.
المفروض وفق شعاراتنا أن الشهداء مصدر فخرنا واعتزازنا، ولهم المجد والخلود، فماذا نحن فاعلون من أجل أن تصل أسرهم المخصصات المالية؟ والأسرى لا يقلون قداسة وفق أقوالنا لأنهم ناضلوا ويعانون دفاعا عنا وعن شرف الأمة جمعاء، فهل نستكين للضغوط الأمريكية الصهيونية؟ التوقف عن صرف المستحقات سيصنع لنا أزمة اجتماعية جديدة، وسيولد المزيد من الأحقاد والكراهية داخل المجتمع، وسيعمق الانقسامات والانشقاقات السياسية والاجتماعية، وربما يؤدي إلى صدامات نحن لسنا بحاجة لها. وهذا التدمير المجتمعي الذي يمكن أن ينجم يشكل هدفا أمريكيا صهيونيا أساسيا. تمزيق الشعب الفلسطيني أولوية أمريكية إسرائيلية، وإذا كان من الأموال ما يساعد في هذا التمزيق فإنها تهون أمام هدف أهم. أي أن أمريكا والصهاينة مستعدون لضخ الأموال في الأرض المحتلة/67 من أجل تعزيز الفساد وإغراق الناس في الديون لأن الهدف هو الإساءة للشعب وللنسيجين الأخلاقي والاجتماعي للشعب الفلسطيني.
المجرم الأكبر بحق الشعب الفلسطيني هو الذي وافق على الترتيبات المالية المعمول بها الآن مع الكيان الصهيوني. لقد أجرم لأنه وضع جزءا من لقمة خبز الشعب الفلسطيني بيد العدو ومكنه من التحكم برقابنا. لقد ارتكبنا الخطايا بحق شعبنا وجعلنا أعدادا غفيرة منه عبيدا للراتب الذي لا يصل إلا بموافقة الأعداء أو باقتطاعه من جيوب الناس من خلال الضرائب الباهظة والرسوم العالية على مختلف المعاملات. كنا قبل قيام السلطة نتدبر أمورنا بوسائل متنوعة. كنا نلاقي صعوبات في الحصول على ما يلزمنا من أجل الاستمرار في العيش، لكننا كنا ننجح في أغلب الأحيان في إيجاد السبل والطرق، وكنا نعيش بعرقنا وجهودنا وبقينا مرفوعي الرأس. أما الآن فسرعان ما نصرخ ونبكي على رواتب قد تتأخر، ونعطي العدو فرصة ذهبية ليتلذذ على آلامنا التي يمسك بمفاتيحها. وهنا لا بد من الإشارة إلى الخطأ الشعبي في قبول ترتيبات مالية تؤدي إلى المذلة. الخطيئة بالأساس خطيئة قيادات وليس خطيئة أفراد عاديين، لكن على الأفراد العاديين أيضا ألا يقايضوا كرامتهم وعزتهم بالمال، وألا يركعوا أمام ترتيبات قيادية خائبة ومذلة.
فماذا نفعل؟ علينا أن نعيد النظر بالترتيبات المالية والاقتصادية السائدة الآن. يجب أن نتخلص من نير المال الذي تتحكم به إسرائيل وأمريكا. وعلينا إعادة ترتيب أوضاعنا الاقتصادية. المشروع لإعادة ترتيب الوضعين المالي والاقتصادي متوفر وموجود، وجاهز للنقاش والجدل. إنه مشروع يكلفنا تضحيات ويتطلب جهودا ووقتا، لكنه يبقى أفضل من الطريقة القائمة حاليا والهادفة إلى إركاعنا. المرء يضحي من أجل كرامته، أما النذالة فتؤدي إلى ضياع الوطن وضياع الأجيال القادمة. نحن نتمكن من سد احتياجاتنا المعيشية إن قررنا الاعتماد على أنفسنا وتدبير بعض شؤوننا بالتعاون مع قوى عربية وإسلامية، أما اليد السفلى فلن تتقن إلا التسول والتوسل.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/06/24