الاحتكار والمغالاة في الأسعار
سطام المقرن
يفترض أن يكون مجلس المنافسة أحد الهياكل المستقلة عن السلطة التنفيذية مع إعادة النظر في تنظيمه الإداري مع تحديد واضح للعقوبات
تضمن التقرير السنوي لمجلس المنافسة في المملكة لعام 2015، أن من أبرز المعوقات التي تواجه المجلس تتمثل في عدم توفر قاعدة بيانات للأنشطة الاقتصادية كحجم أسواق المنتجات الرئيسية وعدم تعاون بعض المنشآت في توفير البيانات اللازمة، وصعوبة مراقبة جميع الأسواق، وضعف الحوافز المادية، ونقص الكوادر البشرية المتخصصة ونقص فرص التدريب، بالإضافة إلى وجود الامتيازات التجارية الممنوحة لصالح منشآت محددة في مجال أنشطة اقتصادية ذات أهمية بالغة، وعلى هذا الأساس تمت التوصية بالإسراع في إقرار نظام المنافسة الجديد، واللوائح الخاصة بالعاملين ليكون مماثلا للهيئات الأخرى لاستقطاب الكفاءات المؤهلة والمحافظة عليها.
ومما سبق، يتضح وجود نظام جديد للمنافسة غير واضح المعالم لم يتم إقراره بعد، والسؤال المطروح هنا: هل نظام المنافسة في صورته الجديدة سوف يلبي احتياجات منع الاحتكار وحماية صغار المنتجين وجموع المستهلكين من كبار المحتكرين، وقفل أبواب الفساد والمغالاة في الأسعار؟ أم أن التعديلات المقترحة في النظام مجرّد طلب اعتمادات مالية أكثر وحوافز ومكافآت فقط كباقي الجهات الحكومية الأخرى التي نجدها في كل تقرير سنوي حكومي كعادة البيروقراطية؟.
لا شك أن نظام المنافسة الحالي يعاني من وجود ثغرات قانونية متعددة ونواح تنظيمية ضعيفة، وأخشى ما أخشاه أن تظل هذه السلبيات موجودة في النظام الجديد للمنافسة، وبالتالي فإن إقرار التعديلات الجديدة قد لا يحمي المجتمع من الاحتكار وممارساته المدمرة للاقتصاد ومصالح المستهلكين، فكما هو معلوم فإن من يرأس مجلس المنافسة هو وزير التجارة، فقد نصت المادة الثامنة من النظام الحالي على أنه «ينشأ مجلس مستقل يسمى مجلس حماية المنافسة يكون مقره وزارة التجارة..» ويتكون المجلس من وزير التجارة رئيسا، وعضو يكون ممثلا عن الوزارة أيضا.
كما نصت المادة الحادية عشرة على أن «للوزير أن يصدر قرارا بتكليف بعض موظفي الوزارة للقيام بأعمال المجلس الفنية والمالية والإدارية»، وليس هذا وحسب، بل أعطى النظام لوزير التجارة صلاحية تشكيل لجنة تختص بالنظر والفصل في المخالفات التي تستوجب عقوبة الغرامة، ووفقا للمادة (73) من اللائحة التنفيذية لنظام المنافسة يجب أن يصادق رئيس المجلس على القرار الصادر من اللجنة، ويعتبر القرار الصادر في المخالفة من اللجنة المصادق عليها من الوزير نهائيا وينفذ فور صدوره، وهذا في ظل عدم وجود معايير يتم على ضوئها التمييز بين المخالفات التي تستوجب عقوبة الغرامة وتلك التي تستوجب عقوبة السجن، وهذا من شأنه إعطاء السلطة التقديرية إلى مجلس المنافسة.
بالإضافة إلى ما سبق، يملك مجلس المنافسة صلاحية إصدار قرار بإعفاء بعض المنشآت من إعمال حكم المادة الرابعة من نظام المنافسة والتي تحدد الممارسات الاحتكارية، وذلك متى ما تبين للمجلس أن الممارسات التي قامت بها هذه المنشآت، سواء تمثلت في تحديد أسعار أو تحديد لكميات الإنتاج أو تقسيم الأسواق أو غيرها، من شأنها تحسين أداء المنشآت وتحقيق الفائدة للمستهلك! وهنا أيضا ترك للمجلس السلطة التقديرية في تحديد الممارسات والاتفاقيات والعقود التي تحقق فوائد للمستهلك دون وجود معايير واضحة ومحددة.
وتأسيسا على ما تقدم، يتضح أن مجلس المنافسة يرتبط بالسلطة التنفيذية من خلال ترؤس وزير التجارة للمجلس، بالإضافة إلى اشتراك موظفي الوزارة في اللجان مع إعطاء المجلس صلاحيات تقديرية واسعة، ناهيك عن صلاحية طلب رفع الدعوى القضائية ضد المحتكرين الذين يقومون بممارسات ضارة، وبالتالي يصبح المجلس مجرّد جهة تقصٍّ وتحقيق تابعة للسلطة التنفيذية، وهذا الارتباط التنظيمي والتبعية والسلطة المطلقة تفتح أبواب المحسوبية وتضارب المصالح.
كذلك، فإن المدى الواسع للعقوبات المالية والسجن دون وضع معايير واضحة لتحديد العقوبات بصورة نظامية لا جزافية، الأمر الذي يؤدي إلى تدخل النفوذ البيروقراطي في تحديد حجم العقوبة بسبب هيمنة السلطة التنفيذية على المجلس.
ولهذا يفترض أن يكون مجلس المنافسة أحد الهياكل المستقلة عن السلطة التنفيذية مع إعادة النظر في تنظيمه الإداري مع تحديد واضح للعقوبات مثل مصادرة السلع محل النشاط الاحتكاري المخالف، أو الغرامة بنفس قيمة السلع، وذلك حتى لا تقيده الاعتبارات البيروقراطية وتزيد من فرص الفساد والمحسوبية وتضارب المصالح، فلا يتحقق الاستقرار الاقتصادي وتزيد معدلات التضخم وغلاء الأسعار، وذلك تفعيلا لرؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى ضرورة تنويع القاعدة الاقتصادية وتعزيز القدرات التنافسية للاقتصاد السعودي وتذليل عوائق الاستثمار، وهذا ما نأمله عند إقرار التعديلات المقترحة على نظام المنافسة.. فهل يتحول مجلس المنافسة إلى هيئة مستقلة قريبا؟.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/06/27