الغليان ــ1 ذعر أميركي وإسرائيلي من تطورات سوريا
إبراهيم الأمين
المنطقة في حالة غليان. الخطط التي وضعت وعُمل عليها خلال خمس سنوات تعرضت للتعثر الشديد. الأزمة التي أريد لها أن تقضي على دول محور المقاومة وقواه، تراجعت حدّتها لمصلحة المحور نفسه، وانتقلت المشكلة إلى دول المحور الآخر وقواه. الولايات المتحدة، كما الغرب وإسرائيل، في حالة بحث عن وسائل جديدة لحفظ نفوذهم وتعويم حلفائهم من الحكومات والقوى على الأرض.
في سوريا، كل المؤشّرات تقول إنه خلال أشهر قليلة... سيتم القضاء على كل قواعد «داعش» وأماكن تمركزه وتجمّعاته، وما سيبقى منها سيكون عبارة عن مجموعات من «الذئاب المنفردة» التي ستحاول الانتقام، سواء في بلادنا أو في أي مكان من العالم. والحكومات تسعى، منذ الآن، إلى عدم عودة آلاف العناصر الذين جاؤوا إلى سوريا والعراق خلال العقد الأخير، بينما ستواجه المجموعات الأخرى المتفرّعة عن تنظيم «القاعدة» استحقاق التعايش مع الوقائع الجديدة. وثمة نزاعات لا تساعد على تقدير المرحلة المقبلة، ما عدا صراعات دموية تحتل الساحات حيث تعيش هذه المجموعات.
تحذيرات من تدخل أميركي في الجنوب السوري وعلى حدود العراق ينذر بصدام قد يتدحرج إلى مواجهة غير محسوبة بين الأميركيين والإيرانيين
في سوريا، أيضاً، يتطور النزاع نحو مستويات غير مسبوقة. التدخل التركي الذي كان يتم من خلال مجموعات سورية صار اليوم مباشراً. وها هي إيران تحذو حذو تركيا، سواء بتعزيز حضورها العسكري المباشر داخل سوريا والعراق، أو على مستوى المشاركة المباشرة في العمليات العسكرية على طريقة القصف عن بعد، بينما يستعد النظام وحلفاؤه لتوسيع السيطرة الكاملة على غالبية المحافظات الغربية، وسط معركة لتعزيز النفوذ في كل المنطقة الوسطى، مع آليات عمل جديدة، تتيح للتحالف القائم بين حزب الله وسوريا والحشد الشعبي العراقي إقامة منطقة نفوذ واسعة تمتد على جانبي الحدود بين البلدين، بما يغطي مساحات واسعة من البوادي والصحارى.
روسيا التي تزيد مساهماتها العسكرية، خطت خطوة كبيرة في المناطق الشرقية من سوريا، حيث نزلت قوات المشاة على الأرض، وتعزز الحضور الروسي في كل المنطقة الممتدة خلف تدمر ومواقع آبار النفط والغاز، وحيث يتوقع أن تتولى القوات الروسية بنفسها حماية هذه المناطق التي ستكون أول بند على جدول تعاون اقتصادي – تجاري بين روسيا وسوريا، يقوم على تولّي موسكو إدارة ملف النفط السوري. وهو أمر يفرض على روسيا توسيع دائرة انتشارها في تلك المنطقة. وصار بالإمكان الحديث عن «قاعدة موازية» لقاعدة حميميم في المنطقة الوسطى. وهي قواعد ستتعزز كلما حصل تقدم صوب دير الزور، وصوب الحدود مع العراق.
ماذا عن أميركا وإسرائيل؟
الولايات المتحدة تعمل من دون توقف على تسريع العمل في بناء نحو ست قواعد عسكرية ضخمة في العراق والأردن، وفي النقاط المتصلة مباشرة بالحدود مع سوريا، بالتوازي مع تعزيز قدرات حلفائها من الأكراد، بما يمكّنهم من البقاء في حالة جاهزية تمنع تركيا من النيل منهم، وتبقيهم في حالة استنفار لمساعدة حلفاء أميركا في غير مناطق الشمال الحالية. وتحاول الولايات المتحدة توريط الأردن في أعمال عسكرية من زاوية تحصين حدوده مع سوريا، مع العلم بأن الأردن متورط أكثر مما يعتقد كثيرون، إلا أن قيادة الجيش فيه تعرب عن خشيتها من توريطه في عمليات عسكرية مباشرة، سواء ضد مجموعات مسلحة متمردة في مناطق الجنوب السوري، أو حتى في مواجهة مع حلفاء الحكومة السورية في الجنوب وبعض البوادي القريبة، بالتزامن مع رغبة أردنية في لعب دور مركزي في مناطق الغرب العراقي، تحت عنوان ملء الفراغ الذي يقوم بعد انهيار منظومة الدعم الاجتماعي والسياسي لـ«داعش» في تلك المنطقة.
طبعاً، يتجنّب الأميركيون الاصطدام بالروس، ويحاولون الاتفاق معهم على توزيع مناطق النفوذ داخل سوريا. ورغم الانطباع أن هناك تفاهماً أوّلياً، إلا أن موسكو تتصرف بحذر كبير، انطلاقاً من عدم ثقتها بالجانب الأميركي أولاً، ثم لكونها لا تحظى بموافقة فعلية من جانب حلفائها، سواء في سوريا أو إيران، ثانياً. لذلك تعتمد روسيا إستراتيجية تعزيز محاولة التهدئة والمصالحات، مقابل عدم الوقوف في وجه محاولات النظام وحلفائه استعادة السيطرة على مناطق كثيرة من سوريا. بل إن روسيا تسهم في هذه العمليات من خلال توفير تغطية جوية ونارية استثنائية في تلك المناطق، وفي كل مرة يحقق النظام وحلفاؤه في حزب الله نتائج ملموسة على الأرض، يظهر الروس ممانعة أكبر لأي تفاهم مع الأميركيين.
وسط هذه الأجواء، تكشف المعطيات عن اتصالات وتحذيرات توحي بأن الولايات المتحدة وإسرائيل تستعدان للقيام بعمل ما. ومن هذه المعطيات:
أولاً: تحذيرات أميركية من تدخل مباشر لحماية القوات الحليفة لها في الجنوب السوري وعلى الحدود مع العراق، ما ينذر باحتمال حصول صدام جدي قد يتدحرج صوب مواجهة غير محسوبة بين الأميركيين والإيرانيين وحلفائهم، وخصوصاً حزب الله.
ثانياً: تولّي الدبلوماسية الأميركية ومعها الأوروبية نقل رسائل إلى القيادات في لبنان، وحصل ذلك على مدار الأسبوعين الماضيين، من أن إسرائيل باتت تخشى أكثر من السابق من أن فتح ممرات برية بين سوريا والعراق من شأنه رفع وتيرة نقل الأسلحة الإستراتيجية من إيران إلى حزب الله، وأن الحزب باشر بناء مصانع خاصة له في لبنان لإنتاج أسلحة من النوع الثقيل. وقال دبلوماسيان غربيان (على الأقل) لمسؤول لبناني رفيع: إن استمرار تسلح حزب الله سيدفع بإسرائيل إلى خطوات عسكرية وقائية، قد تلامس حدود المواجهة. وكانت مفاجأة الغرب أن الرئيس ميشال عون، ومسؤولين آخرين في الحكومة، أبلغوا الوفود الدبلوماسية أن هذه التحذيرات تعني أن على حزب الله وقف التسلح، وأن الأمر غير وارد أصلاً، ثم إن احتمالات الحرب ستكبر كلما تراجع تسلح حزب الله. ووصل الأمر بأحد المسؤولين أن قال لدبلوماسي إسباني: إذا كنتم فعلاً لا تريدون الحرب، فاعملوا على تجاهل تعاظم قوة حزب الله وليس العكس، واذهبوا إلى التركيز على سبل الحل في سوريا. ذلك أن قدرات حزب الله لم تعد تقتصر على الساحة اللبنانية فقط.
ثالثاً: عودة الإدارة الأميركية إلى رفع وتيرة التحذيرات من قرارات تعدّ لها لمعاقبة كل فرد أو مؤسسة رسمية أو خاصة في لبنان توفر دعماً أو تسهيلات مباشرة أو غير مباشرة لحزب الله. ويجري الحديث هنا ليس فقط عن لوائح عقوبات مالية، بل عن سعي واشنطن لانتزاع موافقة لبنانية على برنامج رقابة مفتوح على كل العمليات المالية الجارية في لبنان من داخل النظام المصرفي وخارجه، بما يتيح للجانب الأميركي ضمان عدم حصول حزب الله على أي نوع من الدعم أو التسهيلات. ويلفت الأميركيون إلى أنهم سيتعاونون أكثر في هذا المجال مع عواصم عربية فاعلة، إضافة إلى الحكومات الأوروبية.
رابعاً: استنفار أميركي وغربي وخليجي لمعرفة الوجهة الجديدة لقوى إسلامية عربية، وخصوصاً حركة «حماس». وتولّى دبلوماسيون السؤال عن حقيقة انتقال عشرات من قيادات «حماس» إلى لبنان، أو إيران، أو حتى عودة بعضهم إلى سوريا، بالتزامن مع عمليات مطاردة إعلامية هدفها معرفة حجم التحول في الموقف السياسي لحركة «حماس» من الأزمة في المنطقة، وإمكانية انضوائها من جديد في المحور الذي تقوده إيران، لا سيما بعد التغييرات الكبيرة التي طرأت على هيكليتها القيادية، وخروج معظم قياداتها من قطر، وقرارها الذهاب نحو تسوية مع الحكومة المصرية، والانفتاح على قوى فلسطينية بقصد التخفيف من الضغط القائم على جمهورها. وفي هذا السياق، ينفي مطّلعون أن تكون دمشق قد استقبلت أي عنصر من «حماس»، وأن لبنان لم يوافق بعد على استضافة عدد كبير من قياداتها، مع التأكيد أن قيادة حزب الله مهتمة كثيراً برفع مستوى الحوار والتنسيق مع الحركة بما خصّ ملف المقاومة في فلسطين أو قضايا أخرى، لا سيما ما يتعلق بأحوال القوى الإسلامية. وهو اهتمام يواكب احتفاظ إيران بقرارها عدم مقاطعة «الإخوان المسلمين» مهما بلغ حجم «الأخطاء المرتكبة» من قبلها في أكثر من بلد عربي وإسلامي.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2017/06/28