هذيان ترامب الكيماوي محاولة يائسة لإنقاذ إسرائيل من مأزقها الاستراتيجي
محمد النوباني
قد يكون للتصعيد الأمريكي غير المسبوق ضد سوريا بحجة وجود نوايا سورية هذه المرة باستخدام سلاح كيماوي ضد المدنيين له علاقة غير مباشرة بالمقالة التي نشرها الصحفي الأمريكي المخضرم سيمون هيرش في مجلة “دي فيليت ” الألمانية وكشف فيها النقاب عن أن ترامب كان يعلم بأن الطائرات السورية لم تستخدم السلاح الكيماوي في قصف خان شيخون في الرابع من نيسان الماضي ومع ذالك فقد قرر بناءا على نصائح أقاربه ضرب صواريخ “التوما هوك ” على مطار الشعيرات العسكري قرب حمص .
فهذه المقالة كانت بمثابة فضيحة مدوية لترامب الذي ثبت بأنه رئيس كذاب ونسخة طبق الأصل عن سلفه جورج بوش الابن الذي قام بغزو العراق عام 2003 وقتل وجرح مئات آلاف العراقيين ودمر اقتصاد ذالك البلد وحطم بنيته التحتية استنادا إلى أكذوبة مفادها أن الرئيس الراحل صدام حسين كان يخفي أسلحة دمار شامل عن أعين مفتشي الأمم المتحدة .
ففي بلد غير الولايات المتحدة كان انكشاف مثل هذه الأكذوبة التي استخدم فيها سلاح مدمر هو صواريخ توما هوك المجنحة ضد بلد مستقل وذو سيادة في مخالفة فاضحة للقانون الدولي وبعد التشاور مع أقارب الرئيس وليس مع المستشارين وصناع القرار سيؤدي إلى إسقاط الرئيس وإجباره على الاستقالة ولكن في بلاد العم سام التي تحكمها الدولة العميقة , ومجموعات الضغط” اللوبيات ” القوية وصاحبة النفوذ الهائل , وعلى رأسها “ايباك ” واحتكارات النفط والسلاح والمجموعات الكنسية التي تؤمن بعصمة التوراة الصهيونية المسيحية وغيرها , لا مكان فيها لرأي عام قوي ولا بعد أخلاقي في السياسات الخارجية والأمثلة على ذالك لا تعد ولا تحصى ابتداءا من هيروشيما ونجازاكي وصولا لتدمير العراق والتآمر لتدمير الدولة السورية فأن هذه المسالة مرت مرور الكرام .
وبكلمات أكثر وضوحا , فأن فهم أسباب هذيان ترامب الكيماوي هذه المرة يتطلب رؤية مجموعة من التطورات والمواقف التي سبقته وهي تحديدا الانتصارات الميدانية الكبيرة التي أحرزها الجيش السوري وحلفاؤه في البادية السورية , ورفضهم الإذعان للخطوط الحمراء التي وضعها ترامب في تلك المنطقة وتمكنهم من تحرير جزء كبير من الحدود السورية , العراقية مما مكنهم من ربط طهران وبغداد ودمشق بطريق بري , وتقدمهم باتجاه دير الزور وتمكنهم من تحرير العديد من آبار النفط والغاز في تلك المنطقة والأهم من كل ذالك التقدم الميداني الذي أحرزوه في درعا , وأخيرا فشل الهجوم الذي قامت به جبهة النصرة على مدينة البعث بدعم إسرائيلي مباشر .
فهذه التطورات الميدانية المهمة وذات البعد الاستراتيجي الخطير على مصالح إسرائيل تحديدا , والتي عبر عن مضمونها الاستراتيجي والعسكري , السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير بمناسبة يوم القدس العالمي حينما قال بأن أي حرب قادمة تشنها إسرائيل على المقاومة في لبنان أو غزة قد تشهد اشتراك مئات آلاف المقاتلين من دول محور المقاومة في تلك الحرب , مما سيغير المشهد الاستراتيجي برمته, هي التي حركت ترامب وبشكل واضح هذه المرة .
فإسرائيل ومن يدعمها في الولايات المتحدة الأمريكية , فهموا جيدا مضمون رسالة نصر الله الردعية , وقد قرروا على ما يبدو التلويح بإمكانية القيام بعمل عسكري ضد الجيش العربي السوري , لابتزاز روسيا وسوريا والحلفاء ودفعهم لتقديم تنازلات لمصلحة إسرائيل وأمريكا في الجغرافيا السورية , أو القيام فعلا بعمل عسكري ما قد يؤدي حسب اعتقادهم إلى إعادة خلط الأوراق في الساحة السورية وإعادة موازين القوى إلى الوراء لمصلحة المجموعات التكفيرية المسلحة التي فقدت زمام المبادرة وباتت تحديدا بعد أزمة الخليج القطرية , السعودية , البحرينية الإماراتية المصرية , وتخلي واشنطن عن دور أنقرة , بدور كردي في الشمال السوري , تعاني من أزمة وجودية .
إن إدارة ترامب التي تعاني من أزمات داخلية حادة, ومن أزمات مع أقرب جيرانها مثل المكسيك وكندا ومن مشاكل حقيقية من علاقاتها مع حلفائها في ” النيتو ” من أوروبيين وأتراك , ومن تصدع خطير في معسكر الدول التابعة لها في منطقة الخليج , على ضوء تفاقم الصراع على السيطرة والنفوذ , ومن هزيمة لمشروعها في سوريا كما عبر عن ذلك روبرت فورد السفير الأمريكي السابق لدى سوريا الذي قال لها بصريح العبارة في مقابلته الأخيرة مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية “أن اللعبة في سوريا انتهت بانتصار الدولة لسورية وحلفائها في محور المقاومة وروسيا ولم يعد بمقدورها إدارة ترامب فعل شيء لعرقلة ذالك لأن اللعبة قد انتهت على حد تعبيره “
أن اللعبة انتهت لأن روسيا على وجه التحديد والتي عادت القطب الثاني في العالم إلى جانب الولايات في هذا العالم من خلال البوابة السورية لن تسمح للأخيرة بتغيير المعطيات الميدانية في سوريا مهما كلف ذالك من ثمن , كما أن إيران وحزب الله وبقية الحلفاء المتواجدين على الأرض السورية لن يسمحوا لها بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء .
استنادا إلى كل ما تقدم فان اللعبة انتهت أيضا لأنه لا ترامب ولا ” سانتا باور ” ولا مايكرون ولا “ماي “, ولا بن سلمان , لقادرين على تقديم طوق النجاة لإسرائيل التي تأكل دورها الوظيفي في خدمة المصالح الأمريكية والغربية بفضل تعملق القوة العسكرية الإيرانية وتعاظم قوة المقاومة في لبنان وغزة وتمكنها من تحقيق توازن رعب معها , مما جعلها بحاجة إلى حماية ممن كانت تحمي مصالحهم في الشرق الأوسط .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/06/30