الدولة الكردية متطلب أمريكي إسرائيلي
فؤاد البطاينة
إن تعريف الشرق الأوسط العربي عند إسرائيل وأمريكا هو نفط وغاز ومال ومواقع استراتيجيه وشعوب معاديه لإسرائيل. وكانتا دوما تحتاجان لمبرر ووسيلة لتحقيق أغراضهما ومصالحهما المرتبطة بهذه العناصر في المنطقة من خلال جعل أنظمتها دائمة الخضوع لهما وتواقة للارتماء بحضنيهما. وكان لا بد لتحقيق ذلك من توفر شرطين ، الأول هو تحريم الديمقراطية على هذه الدول وترسيخ الدكتاتورية اللاوطنية التي تلغي الشعوب والجيوش .. والثاني صنع وزرع غول أو بعبع حليف لهما في المنطقة العربية كعامل تهديد وابتزاز مستمر للأنظمة.
تسلمت إيران الشاه هذا الدور ، وبعدها جاءت إيران الإسلامية لتقوم بنفس الدور المطلوب دون توكيل بل فَرضت نفسها طواعية وأمَّنت المطلوب للدولتين دون قصد بصورة أكثر شدة وإنتاجية خدمة لرؤيتها . إلا أنها ليست دولة عميلة لهما بل خصما ومنافسا ولا يتفق بقاء دورها مع ضرورات ومواصفات مرحلة الشرق الأوسط الجديد لتناقضه مع طبيعة المخطط وعدم الحاجة لدور الغول للعرب وأصبح ضروريا إنهاء دورها وجرها لدور أخر .
استقرت الدول العربية فريسة مدجنة لأمريكا وإسرائيل، وتبدلت الحاجة للغول بالحاجة لإبعاد المتطفلين عليها . فما كنا نعتقده أنه بداية للنهوض بعد الحرب العالمية الأولى كان في الواقع بداية النزول للهاوية ونحن اليوم وصلنا لقاعها. وما كنا نعتقده أحيانا خلافا بين أمريكا وإسرائيل على مسألة تخص قضايانا ونتفاءل به ، كان في الواقع اختلافا على الطريقة المثلى في تحقيق مصلحة إسرائيل. وكان المثال المبكر هو الاختلاف بين بريطانيا والوكالة اليهودية على فصل الأردن من وعد بلفور، والمتأخر هو الاختلاف على نقل السفارة الأمريكية للقدس ، وعلى الملف النووي الإيراني.
وهنا نأتي للسبب في اهتمام أمريكا الكبير جدا بالأكراد ومراهنتها عليهم وحدهم. إنه سلوك مرتبط بمتطلبات مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي عجلت به حرب أنابيب الغاز . فمن أساسيات هذا المشروع هو تفصيل البيئة المواتية لإسرائيل لتصبح قوة إقليمية ومدمجه في المنطقة ومقبولة من دولها المسلمة وصديقة لأعدائها العرب . وحيث لا يمكن التخلص من تركيا وإيران كدولتين إقليميتين مسلمتين حرتين باقتصاد قوي وموقف سياسي منافس لإسرائيل ، ولا تجاهل ما يؤدي إليه ذلك من تهديد للتوازن المطلوب لإسرائيل ومصالحها في المنطقة ، فقد أصبح البحث عما يؤمن التوازن العسكري والسياسي والاقتصادي والاستراتيجي في الإقليم لصالح إسرائيل أمرا خارج المساومة.
ومن هنا برزت فكرة صنع وزرع الدولة الكردية في الإقليم كحليف عميل قوي ومؤهل اقتصاديا وجغرافيا لإحداث التوازن المطلوب لصالح إسرائيل أمام تركيا وإيران ، وبما ينعكس ايجابيا على المصالح الأمريكية في مواجهة الروس ، ويحقق ممرا لأوروبا ، وبديلا عن الدور اللوجستي الأطلسي التركي. فإقامة هذه الدولة هدف استراتيجي على رأس أولويات الدولتين الاستعماريتين في سياق متطلبات إعادة هيكلة المنطقة ومخرجاتها.
إلا أن الإبقاء على تركيا وإيران بوضع الدولتين القويتين والضاغطتين سياسيا واقتصاديا وعسكريا على الدولة الكردية وعلى استقرارها وأمنها حين تقوم هو أمر مطلوب أمريكيا وإسرائيليا ، وذلك لضمان استمرار العداء بين تلك الدولتين الإقليميتين والدولة الكردية لتبقى الأخيرة مرتبطة ومرتمية في أحضان أمريكا وإسرائيل ومتجاوبة مع ابتزازهما وتوجيه سياساتها في المنطقة.*
ففكرة الدولة الكردية ليست عابرة بل مرتبطة بفكرة الشرق الأوسط الجديد ، ولم تكن وليدة الأزمة القائمة، بل هي مشروع سبق الأزمة وأحداثها ، ووضعت أمريكا لبنته في دستور بريمر حين منح أكراد العراق دولة جاهزة للانفصال بمقوماتها ، وجاءت الأحداث التي نعيشها في المنطقة لتعمق هذا المشروع وتوسعه وتكرسه.. وهي عملية ليست بالسهلة لما يواجهها من رفض سياسي شبه كامل من الأطراف المعنية علاوة على أنها ستكون عملية مقترنة بالتخلص من امتدادات إيران في المنطقة.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/06/30