عطني تقنية طبية وخذ قصائدنا الشعرية
فهد عامر الأحمدي
لو سألتني عن أعظم أربعة اكتشافات في تاريخ الطب سأقول:
ـــ اكتشاف مبدأ التلقيح والتحصين ضد الأمراض.
ـــ اكتشاف المضادات الحيوية.
ـــ انتشار الوعي الصحي بين الناس...
ـــ ظهور التكنولوجيا الطبية..
فمبدأ التلقيح والتحصين (الذي اكتشفه الطبيب البريطاني إدوارد جينر) ساهم في تحصين أجيال كثيرة من أمراض وبائية قاتلة ــ لدرجة اختفى بعضها نهائيا كـالجدري والطاعون وشلل الأطفال...
أما اكتشاف المضادات المناعية فساهم في الحد من انتشار الأمراض البكتيرية ورفع مستوى مناعة الجـسم ضد التقاط معظم الأمراض المعدية...
أما الوعي الصحي؛ فرغم أنه ليس اكتشافا ماديا، ساهم في تخفيض المشاكل الصحية وتقليل معدل الوفيات وارتفاع متوسط الأعمار (وتأمل نتائج وعي الناس بأخطار السكري والبدانة وأمراض القلب)...
أما التكنولوجيا الطبية (وهي مجال حديثنا اليوم) فهي الجندي المجهول بين هذه الأربعة ـ خصوصا أنها تجير غالبا لحساب الهندسة والتقنيات المتقدمة .. ولكن الحقيقة هي أن التكنولوجيا الطبية ساهمت في إنقاذ حياة ملايين الناس من خلال أجهزة وتقنيات لم يعد بالإمكان الاستغناء عنها.. تخيل كيف وضعنا الصحي بدون أجهزة التحليل، والتصوير، والمناظير، والقسطرة، والجراحة الميكروسكوبية، ومنظم ضربات القلب، والأشعة المدمرة للخلايا السرطانية .....
تخيل مستشفياتنا بدون أجهزة الطوارئ، وأنابيب الأوكسجين، وحاضنات الأطفال، وإنعاش القـلب، والأجهزة المساندة في غرف الطوارئ، وتبادل الخبرات الطبية عبر الشبكات الإلكترونية...
كل جهاز من هذا النوع ساهم (بطريقة مباشرة أو غير مباشرة) في إنقاذ حياة الملايين والمد في أعمارهم لسـنين.. يصعب تفصيل محاسن كل جهاز على حدة ، ولكن خذ كمثال آلــة تنظيم ضربات القلب التي أنقذت حياة 56 مليون إنسان حتى يومنا هـذا (وهذا رقم تقديري من الكاتب).. ففي القلب يوجد جزء عصبي يطلق نبضات كهربائية تسبب صدمة للقلب فتجعله ينبض باستمرار. ولكن قد تحدث أو تتكرر حالات انسداد تمنع وصول النبضة إلى بطين القلب فيتوقف ضخ الـدم.. وفي عام 1960 بدأت عمليات زرع أول منظمات حديثة (لا يتجاوز حجمها قلم الحبر) في مستشفى المحاربين القدماء في نيويورك.. واليوم يقدر أن مليون شخص بالمتوسط يتم إنقاذهم كل عام بفضل زرعها في قلوبهم وحثها على النبض لسنوات تالية (وبضرب هذا العدد بالسنوات الماضية يتضح أن هذا الجهاز لوحده ساهم في إنقاذ حياة 56 مليون شخص حول العالم)!
... وفي حين استنفد الطب مبدأ التحصين، وفي حين بدأت البكتيريا تنتج سلالات مقاومة للمضادات، وفي حين تزامن وعينا الصحي مع تبنينا عادات صحية سيئة؛ تقدم لنا "التكنولوجيا الطبية" تقنيات جديدة ومستمرة تعوض كل التراجعات المحتملة (ويكفي الإشارة إلى نجاحها اليوم في تنمية أعضاء الجسم المزروعة حسب الطلب في المختبرات)...
... أيها السادة ؛
سبق وكتبت مقالا بعنوان "أعطني مخترعا وخذ كل الأدباء" واليـوم أستميحكم عذرا بخصوص بخصوص العنوان "أعطني تقنية طبية وخذ كل قصائدنا الشعرية"...
صحيفة الرياض
أضيف بتاريخ :2017/07/13