“دبلوماسية” النفاق المتبادل
نبيل نايلي
“الدبلوماسي هو الرجل الذي يستطيع أن يصمت بعدة لغات ! ” مارك توين.
حين يتعهّد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، لنظيره الفرنسي جون إيف لودريان، Jean-Yves Le Drian، “بضرورة أن تتولى المملكة مكافحة جميع أطراف الإرهاب، وأن تلتزم بوقف تمويله ودعمه”!! دون أن ينسى أن يسلّم فرنسا -وكأنها لا تعلم- “بملف كامل عن تجاوزت ارتكبتها الدوحة”!، نكون أما نفاق دبلوماسي لا يخفى لا على السعوديين ولا على الفرنسيين!
الوزير الفرنسي لم يفته بدوره أن “يحيّي السعودية على دورها في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرّف”! نعم السعودية وليست غيرها وهي، والعهدة على لودريان، من “بينت قدراتها القيادية في مكافحة الإرهاب”! في اليمن وسوريا مثلا!!
لودريان الذي ينفطر قلبه للقطريين المدنيين و”يشعر بالقلق من الأزمة الحاصلة بين الدول المقاطعة وقطر يأمل ألا تؤدي الإجراءات ضد قطر إلى التأثير على المدنيين” !!! وبين فتات صفقة وأخرى يحدثنا جنابه عن “التعاون مع السعودية في تنفيذ رؤية 2030 وعن اللجنة المشتركة بين فرنسا والسعودية التي ستعقد قبل نهاية العام الجاري في باريس وتشمل المجالين السياسي والعسكري وعن تعاون ثنائي بين البلدين، وعن فرص تطويره في مختلف المجالات، وبحث مستجدات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط”.!!
لجنة مشتركة؟ وسياسي وعسكري؟ وعمل ثنائي مشترك؟ هل يدرك لودريان ما يقوله أم أن الضحك على الذقون بات شعار الدبلوماسية؟ أم هو فقط دفتر الشيكات من يجبّ ما قبله؟
لودريان كرّر نفس الأسطوانة المشروخة في الكويت وفي الإمارات، وهو الذي ” لاحظ –دون غيره- لدى محاوريه في الدوحة استعداداً “لإجراء محادثات بنّاءة مع الجيران شرط عدم المساس بسيادة” قطر، متحدثا عن “مهمة تهدف إلى الدعوة لتهدئة سريعة في الأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة في الخليج، مشيرا إلى أن “فرنسا قلقة للغاية من التدهور المفاجئ في العلاقات بين قطر والعديد من جيرانها”. يا سلام قلقة جدا حتى أنها استقبلت نتنياهو واحتفلت معه لأول مرة بذكرى فال ديف، Vel d’Hiv، واعتقالات طالت عددا كبيرا من اليهود عام 1942 يوم إغلاق المسجد الأقصى بالذات! واختيارها نتنياهو عن قصد للإعلان عن معارضته “لاتفاق وقف إطلاق النار في سوريّة، الذي تمّ التوصّل إليه بين الولايات المُتحدّة الأمريكيّة وروسيا”!”.
وزير الخارجية القطري رحّب بدوره “بدور فرنسا الداعم للوساطة الكويتية في حل الأزمة على أساس الاحترام المتبادل وأحكام القوانين الدولية” مجدّدا حرص قطر “على مكافحة الإرهاب، ومشيرا إلى أنّ “إجراءات دول الحصار تعطّل هذا الهدف باعتبار أنه يتطلب عملا جماعيا”.
ذات النفاق الذي نلمسه في “تضارب” بل تنسيق المواقف التي تتعارض ظاهريا ولكنها تلتقي في ابتزاز من قبل بالقسمة الضيزى وقنع بالخصم حكما! هو ذاته الذي نلمسه في مواقف كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير خارجيته راكس تيلرسون، Rex Tillerson، أو وزير دفاعه جيم ماتيس، James Mattis، تُجاه الأزمة الخليجية الذي يصبّ في مُخطّط الابتزاز للعرب الخليجيين، ومجرّد تبادل للأدوار ومسرحية سمجة، فوزير الخارجية تيلرسون، اختار “الانحياز″ إلى قطر ووقّع معها اتفاقية لـ”وقف دعم الإرهاب”، وصرّح أنّ ردّها الرافض للشّروط الـ13 التي تقدّم بها خُصومها “منطقي”، أمّا الرئيس ترامب فلا يزال يصرّ “أنه تمت مُراجعة العلاقات مع قطر لأن قيادتها كانت معروفة كجهة مُموّلة للإرهاب”، وقال لهم “لا يُمكنكم فعل ذلك”، مشدّدا على ضرورة “تجويع الوحش (الإرهاب) حتى الموت وليس من المُمكن أن نسمح بدولٍ غنيّة تُغذّي هذا الوحش”! فيما يوقّع وزير الدفاع الأمريكي، جيم ماتيس، ونظيره القطري، خالد العطية، اتفاقا قيمته 12 مليار دولار أمريكي لبيع قطر طائرات مقاتلة من طراز إف-15، بحسب ما ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية.
نفس النفاق الذي يجعل صحيفة كالـ”إندبندنت، The Independent”، تنشر مقالا بعد 3 سنوات من دمار اليمن الممنهج تدعو فيه إلى ضرورة أن “تنهي بريطانيا بيع الأسلحة للمملكة ، وهي المتهمة ” بالذبح على واسع النطاق” للمدنيين! أو إحجام الحكومة البريطانية عن الإفراج عن “تقرير يشير إلى تمويل السعودية للتطرف “الإسلامي” في بريطانيا، حتى “لو أضر بالعلاقات مع حليف رئيسي”!
ماذا تعني امبر رود، Amber Rudd، وزيرة الداخلية بقولها إن “الحكومة لن تفرج عن تقريرها الذي كُلّف به رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، David Cameron، يجب أن يتم التعامل معه على أساس “الأمن القومي”..الأمن البريطاني طبعا فاليمنيون لا يحق لهم لا أمن ولا حياة!
ثم يحاضرون – بعد كل هذا – في الأخلاق والدبلوماسية والإنسانية!!
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/20